به، ثم يَشْهدُ، ويحتملُ أن يكونَ هذا مِثلَ هذا في سرعة الشهادة واليمين، وحَرِصَ الرجلُ عليهما؛ يعني: يحرِصُ عليهما، وشرعُ فيهما حتى لا يَدْرِي أنه بأيهما يبتدئ، فكأنه يسبقُ شهادتُه يمينَه، ويمينُه شهادتَه من قِلَّة مبالاته بالدِّين.
وإنما تكونُ الشهادةُ مذمومةً قبل أن يستشهَد إذا علم صاحبُ الحق أن له في ذلك الحقِّ شاهدًا، فإذا كان كذلك لا يجوزُ للشاهد أن يشهدَ حتى يطلبَ صاحبُ الحقِّ منه الشهادة، وكذلك لا يجوزُ اليمينُ إذا وجبتْ عليه يمينٌ قبل أن يستَحْلِفَه صاحبُ الحقِّ، فلو حلفَ قبل أن يستَحْلِفَه ولم يعتدَّ بحَلِفِه، بل يلزمه إعادةُ الحَلفِ إذا استَحْلَفَه صاحبُ الحَقِّ.
* * *
٢٨٣٧ - وعن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عرضَ على قومٍ اليمينَ فأَسرَعوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بينَهم في اليمينِ أَيُّهم يَحلِفُ.
قوله:"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرضَ على قومٍ اليمينَ فأسرعوا، فأمر أن يُسْهَمَ بينهم في اليمين أَيُّهم يحلف"، (أَسْهَمَ)؛ أي: أَقْرَع.
صورة هذا: أن رجلين إذا تداعيا مَتاعًا في يدِ ثالث، ولم يكنْ لهما بَينَةٌ، أو لكلِّ واحدٍ منهما بَينَةٌ، وقال الثالث: لم أعلمْ أنه لكما، أو لغيركما، فحُكْمُ هذا أن يُقْرَعَ بين المتداعِيَيْن، فأيُّهما خَرَجَتْ له القُرْعَةُ يَحْلِفُ مع القُرْعة، ويُقْضَى له بذلك المتاع، وبهذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
ففي هذه الصورة في قول الشافعي: يُتْرَكُ ذلك المتاعُ في يدِ الثالث، وفي قولٍ آخرَ للشافعي، ومذهب أبي حنيفة: أنه يُجْعلُ بين المتداعِيَين نصفان مع يمينِ كلِّ واحدٍ منهما.