فالضرورية: ما يجري في القلب من الخواطر ابتداءً من غير أن يقدر الإنسان على دفعه، فهذا معفوٌّ عن أمة محمد عليه السلام وعن جميع الأمم؛ لأن الله تعالى قال:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، (الوسع): الطاقة والقدرة.
والاختيارية: الدوام والإصرار على ما يجري في الخاطر بأن يردِّد ما يجري في القلب من الخواطر، ويقصد أن يعمل به ويتلذَّذ منه، بأن يجري في قلبه حب امرأة ويدوم على ذلك الحب، ويقصد الوصول إلى تلك المرأة، أو يجري في قلبه قتل مَن يحرم قتله، أو يعزم على سرقةٍ أو شربِ خمر، وما أشبه ذلك من المعاصي، فهذا النوع اختياريٌّ، لأن الإصرار بما يجري في الخاطر والعزمَ على العمل به باختياره فهذا النوع هو الذي عفا الله عنه من هذه الأمة دون سائر الأمم، تشريفًا وتكريمًا لنبينا عليه السلام وأمته.
اعلم أن اعتقاد الكفر والبدعة والشرك وظن السوء في حق المسلمين، فإذا ظهر في قلبه شيء من هذه الأشياء وتركه وندم عليه لم يؤخذ به، وإن أصر على شيء من هذه الأشياء يكون مأخوذًا به.
* * *
٤٥ - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاءَ ناسٌ منْ أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فسألُوه: إنَّا نجدُ في أنفُسِنَا ما يتعاظَمُ أحدُنَا أنْ يتكلَّمَ بِهِ، قال:"أَوَقَدْ وجدتُمُوهُ؟ "، قالوا: نعم، قال:"ذاكَ صريحُ الإِيمانِ".
قوله:"جاء أناس"؛ أي: جماعة فسألوه: "إنا نجد في أنفسنا"؛ أي: إنَّا نجد في قلوبنا أشياء قبيحةً دنية؛ أي: يجري في قلوبنا: من خلق الله؟ وكيف هو؟ ومِن أيِّ شيء هو؟ وما أشبه ذلك ممَّا نعلم أنه قبيحٌ لا يليق بنا أن نعتقده؛ لأنَّا نعلم أن الله قديم خالق الأشياء، وليس بمخلوقٍ وليس بجوهرٍ ولا عَرَضٍ