عندي ما قلتُ لكَ: إن تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكرٍ، وإنْ تقتُلْ تقتُلْ ذا دمٍ، وإنْ كنتَ تريدُ المالَ فسلْ تُعْطَ منه ما شئتَ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَطْلِقُوا ثُمامَةَ"، فانطلَقَ إلى نَخْلٍ قريبٍ من المسجدِ فاغتسلَ ثمَّ دخلَ المسجدَ فقال: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، يا محمدُ! والله ما كانَ على الأرضِ وَجْهٌ أبغضَ إليَّ مِن وجهِكَ، فقد أصبحَ وجهُكَ أحبَّ الوجوهِ كلِّها إليَّ، والله ما كانَ مِن دِينٍ أبغضَ إليَّ مِن ديِنكَ فأصبحَ دينُكَ أحبَّ الدِّينِ كلِّه إليَّ، والله ما كانَ مِن بلدٍ أبغضَ إليَّ من بلدِكَ، فأَصْبَحَ بلدُكَ أحبَّ البلادِ كلَّها إليَّ، وإنَّ خيلَكَ أَخَذَتْني وأنا أُريدُ العُمْرةَ فماذا ترى؟ فَبَشَّرَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَمَرَهُ أنْ يَعْتَمِرَ، فلمَّا قَدِمَ مكةَ قَالَ له قائلٌ: صَبَأْتَ؟! فقال: لا، ولكنِّي أسلَمْتُ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَلا والله لا يأْتِيكُمْ مِن اليمامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حتى يأذَنَ فيها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.
قوله:"بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلًا"؛ أي: جيشًا.
قوله:"ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر" إن تُعتقني أشكر لك وأعرف نعمتك عليَّ، وإن كنت تريد المال؛ يعني: وإن أردت المال مني، فقل كم تريد حتى أعطيك.
"أطلقوا"؛ أي: خلُّوا سبيله.
وهذا الحديث يدل على جواز دخول الكافر المسجد، وجواز إطلاق الأسير بغير فداءٍ إذا رأى الإمام المصلحة.
"قال له قائل: صبوت"، (صبا يصبو): إذا مال؛ يعني: قال له كافر من كفار مكة: مِلْتَ عن دين الحق إلى دين الباطل، فقال: ما ملتُ عن الحق إلى الباطل، بل أسلمتُ مع محمَّد، ودينه هو دين الحق.