للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واختار قومٌ هذه الرواية؛ لأن (أسلمَ) بفتح الميم، يكون ماضيًا من الإسلام، والشيطان لا يقبل الإسلام؛ لأن الشياطين كلها مجبولةٌ على الكفر فلا يقبلون الإسلام.

وقولُ هؤلاء ليس بقويٍّ؛ لأن قوله: "فلا يأمرني إلا بخير" يدل على إسلامه؛ لأنه لو لم يُسْلِمْ فكيف يأمره بالخير؟

بل المختار والأصح روايةُ مَن يرويه: (أسلمَ) بفتح الميم، وإذا كان مفتوح الميم فله معنيان:

أحدهما: (أَسلَمَ) الذي هو ضد كفر، والثاني (أسلمَ) بمعنى: انقاد وأطاع، وكِلَا المعنيين مستقيمٌ هنا؛ لأن الله تعالى قادر على أن يرزق هذا الشيطان الإسلام ببركة نبينا عليه السلام، فإنه نبي الرحمة، والهادي من الضلالة.

وإن قلنا: معنى (أسلم): انقادَ، فمستقيمٌ أيضًا؛ لأنه لا عجب أن يصير شيطانه منقادًا أو مطيعًا له وعاجزًا عن أن يأمره بشرٍّ، فإن الله تعالى قد أعطاه من المعجزة والكرامة ما لا يُحصى، فيكون هذا كرامةً له، كما أخبر عليه السلام في حديثٍ آخر أنه أخذ (١) شيطانًا وأراد أن يربطه على عمود من عُمُد المسجد، ثم ذكَّره دعوة أخيه سليمان عليه السلام فخلَاّه، ويأتي شرحُ هذا الحديث في موضعه إن شاء الله تعالى.

* * *

٤٩ - وقال: "إنَّ الشَّيطانَ يجري مِنَ الإِنسانِ مَجْرَى الدَّمِ".

"وقال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم"، (مجرى): مصدرٌ ميميٌّ أو مكانٌ، من جرى يجري جريانًا، يعني: إن كيد الشيطان ووساوسه


(١) في "ش": "أمسك".

<<  <  ج: ص:  >  >>