"الحممة" بضم الحاء: الفحم، يعني يجري في قلبي من الأشياء لأَن احترقت وصرت فحمًا أحبُّ إليَّ من أن أتلفظ بما يجري في قلبي من الوسواس، من غاية قبحه، وهذا مِثْلُ ما تقدم من الأحاديث، نحو قوله: مَن خلق الله؟ ونحو وسوسة الشيطان في القلب بأن يطلب الرجلُ معرفةَ كيفية الله، وأنه محتاجٌ إلى المكان أو الطعام، وغير ذلك، فهذا الوسواس من فعل الشيطان، فكان هذا الرجل يجري في خاطره شيءٌ من هذا الوسواس من فعل الشيطان، فخاف أن يكون له بذلك إثم، فقال له رسول الله عليه السلام:"الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة"، الضمير في (أمره) راجعٌ إلى الشيطان، يعني: كان الشيطان يأمر الناس بالكفر قبل هذا أو عبادةِ الأوثان، وأما الآن لا يقدر أن يأمر المسلمين بالكفر، فلا سبيل له إليهم سوى الوسوسة، ولا باس بالوسوسة إذا علم الرجل أنه قبيح، ويندم عليه ويتعوَّذ بالله من الشيطان الرجيم.
* * *
٥٥ - وقال:"إنَّ للشيطان لَمَّةً بابن آدمَ، وللملَك لَمَّةً، فأمَّا لَمَّةُ الشيطانِ فإيعادٌ بالشرِّ وتكذيبٌ بالحقِّ، وأمَّا لَمَّةُ الملَكِ فإِيعادٌ بالخيرِ وتصديقٌ بالحقِّ، فمنْ وجدَ ذلك فلْيَعْلَمْ أنَّه مِنَ الله، فليحمَدِ الله، ومَنْ وجدَ الأُخرى فليتعوذْ بالله من الشَّيطان"، ثم قرأ:" {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} "، غريب.
قوله:"إن للشيطان لمة"، (اللمة): نزولُ الوسوسة في القلب، وهي من (ألمَّ): إذا نزل.
"إن للشيطان لمة بابن آدم"؛ أي: نزولًا في قلبه ووسوسةً.
"وللملك لمة"؛ أي: وإن للملك نزولًا في قلب بني آدم أيضًا وإلهامًا.