٥٧ - عن عَمْرو بن الأَحْوَص - رضي الله عنه - قال: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول في حَجَّة الودَاع:"ألا لا يجني جانٍ على نفسِهِ، ألا لا يجني جانٍ على ولدهِ، ولا مَولودٌ على والِدهِ، ألا إنَّ الشيطانَ قَدْ أيسَ أنْ يُعبَدَ في بلادِكُمْ هذِهِ أبدًا، ولكنْ ستكونُ له طاعةٌ فيما تحتَقِرُونَ مِنْ أعمالكُمْ، فسيرضى بهِ".
قوله:"سمعت رسول الله عليه السلام في حجة الوداع" سُمِّي الحج الذي قال فيه رسول الله عليه السلام هذا الحديث بحجة الوداع لأن رسول الله عليه السلام لمَّا خطب الناس في هذه الحجة طفق يودِّع الناس، ويقول للناس:"لعلكم لا تروني بعد عامكم هذا"، فقالت الصحابة حينئذ: هذه حجة الوداع.
قوله:"ألا لا يجني جان على نفسه"، ألا؛ أي: اعلم، يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث، والواحدُ والتثنية والجمع.
(لا يجني) لفظه النفي، ومعناه النهي؛ يعني: لا يجوز أن يجني أحدٌ على نفسه بأن يقتل نفسَه، أو يقطع عضوَ نفسه، ويحتمل أن يكون معناه: أنه لا يقتلْ أحدٌ أحدًا ليُقتل بالقصاص، فيكون حينئذ كمَن قتل نفسَه.
وجاء في بعض الروايات:"ألا لا يجني جانٍ إلا على نفسه"، فمعناه على هذه الرواية أنه لا يؤخَذ ولا يُقتل أحدٌ بفعل أحدٍ.
قوله:"ألا لا يجني جان على ولده، ولا مولودٌ على والده"؛ يعني: كان عادةُ العرب إذا قتل أحدٌ أحدًا يقتلون مَن وجدوا مِن أقارب القاتل، فقال رسول الله عليه السلام: لا يجوز هذا، بل لا يُقتل والدٌ بأن يَقتل ولده أحدًا، ولا يقتل الولدُ أيضًا بأن يقتل والدُه أحدًا، وإنما ذكر الوالد والمولود ولم يذكر سائر الأقارب؛ لأنه إذا لم يقتل الوالد بجناية الولد على أحد، ولا الولدُ بجناية الوالد على أحد، مع شدة اتحادهما، فأنْ لا يقتل غيرهما بجناية واحدة على أحد - مع