منصوب لأن مميز (كم) الاستفهامية منصوب، وتقديره: فبكم زمانًا وجدتَ الله أَمرَ بكتابة التوراة قبل أن يَخلقَني.
قوله:"فهل وجدتَ فيها {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} "؛ يعني: قال آدمُ عليه السلام لموسى: هل وجدتَ في التوراة مكتوبًا أن آدمَ يعصي ربَّه بأكل الشجرة؟ قال موسى: نعم، فإن قيل: القرآنُ عربيٌّ والتوراةُ عِبرانيٌّ، فكيف يكون فيها {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}؟
قلنا: ليس المراد بهذا أن ألفاظَ {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} بهذا التركيب مكتوبٌ في التوراة، بل المراد بهذا: أن هذا المعنى بذلك اللسان مكتوبٌ في التوراة.
قوله:"قال: أفتَلُومُني"؛ يعني: قال آدم لموسى عليه السلام: أفتَلُومُني على أن عملتُ عملًا قدَّرَه الله تعالى عليَّ أن أعملهَ؛ يعني: فلا ينبغي لك أن تَلُومَني على هذا الفعل لعِلَلٍ يأتي ذكرها في المسألة التي بعد هذا.
قوله عليه السلام:"فحجَّ آدم"؛ أي: غَلَبَ آدمُ على موسى - عليهما السلام - في الحُجة.
واعلم أن حكمَ رسولِ الله - عليه السلام - بأن آدمَ - عليه السلام - غلبَ على موسى - عليه السلام - في الحُجة ليس بسبب أن آدمَ لم يكن مستحقًا اللَّومَ بهذه الخطيئة، بل كان مستحقًا اللَّومَ؛ لأنا لو قلنا: لم يكن مستحقًا اللَّومَ على تلك الخطيئة لم يكن غيرُ آدمَ - عليه السلام - أيضًا مُستوجِبًا اللَّومَ على الخطيئة، وحينَئذٍ تبطل أحكامُ الشرع وتُرفَع فائدةُ مجيءِ الرُّسلِ على الخلق وإنزالِ الكتب بين جميع المكلَّفين من الأنبياء، وغيرُهم مُستوجِبُون اللَّومَ على الخطيئة، وإنما كان حجَّ آدمُ موسى لعِلَلٍ:
أحدها: أن لومَ موسى آدمَ بعد أن عفا الله تعالى عن آدمَ خطيئتَه، واللَّومُ فيه غيرُ متوجِّه.