ولا مَلَكٌ مقرَّبٌ، ولو أَدخلَ الله تعالى جميعَ الصالحين النارَ - مع كثرة صلاحهم - لم يكن منه ظلمٌ؛ لأن الظلمَ التصرُّف في مُلك الغير بغير إذنه، وجميعُ المخلوقات ملكُه تعالى، فكيف يكون التصرُّفُ فيهم ظلمًا؟! فإذا كان كذلك فلو شاء لأحدٍ فعلَ الخير يكون منه ذلك فضلًا، ولو شاء لأحدٍ فعلَ الشر بكون ذلك منه عدلًا، ولا اعتراضَ لأحدٍ عليه؛ لأنه مالكٌ ونحن مملوكون، واعتراضُ المملوك على المالك قبيحٌ مُوجِبٌ للتعذيب، قال الله تعالى:{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء: ٢٣]؛ يعني: لا يجوز لأحدٍ أن يسألَ الله عما يفعل بعباده، وهو تعالى يسأل عبادَه عما يفعلون، ويُعاقبهم بعصيانهم إياه إن شاء.
وقد جاء النهي عن الخوض في مسألة القَدَر وطلب معرفة كيفيته؛ لأن البحثَ في القدر اعتراضٌ على الله تعالى، والاعتراضُ على الله مُوجِبٌ للعقوبة، ونحن عَبيدٌ مأمورون بالسمع والطاعة وقَبول أوامر الشرع من غير السؤال عن (كيفَ) و (لِمَ)؛ يعني: كيف أَمر بهذا الأمر؟ ولِمَ أَمر بهذا الأمر؟ ولمَّا نزل قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}[البقرة: ٢٨٤]؛ يعني: ما خَطَرَ في قلوبكم من الخير والشر يحاسبكم به الله، سواءٌ أظهرتُمُوه أو كتَمْتُمُوه = اشتد ذلك على المؤمنين، وقالوا: يا رسول الله! كيف نُطيق دفعَ ما يجري في قلوبنا؟ وكيف نفعل بذلك؟ فقال رسول الله عليه السلام:"فلعلَّكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل: سَمِعْنا وعَصَيْنا؟! " قالوا: سمعنا وأطعنا، واشتد ذلك عليهم، ومكثوا حَولًا، فأنزل الله تعالى فَرَجًا بقوله:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، فلمَّا علَّمهم رسولُ الله - عليه السلام - أن يُسلِّموا الأمرَ لله، فأسلَمُوا سَهَّلَ الله عليهم الأمرَ؛ فلا طريقَ لخلاصِ العبدِ إلا التسليمُ بقَدَرِ الله وحكمِه، والامتثالُ بأوامره من غير اعتراضٍ عليه، والله أعلم.