كالشجر إذا حرَّكتْه الريحُ وكاليد المُرتعِشة؛ فإن الشجرَ واليدَ المُرتعِشةَ لا اختيارَ لهما في تحرُّكهما، وهذا المذهب على خطأ عظيمٍ؛ لأنه إذا لم يكن للإنسان اختيارٌ فلا يكون مكلَّفًا كالمجنون، وإذا لم يكن الإنسان مكلَّفًا فيكون بعثهُ الأنبياءَ - عليهم السلام - وإنزالُ الكتبِ عبثًا، ونعوذ بالله من هذا الاعتقاد.
والمذهب الثاني: مذهب المعتزلة والقدرية، وهؤلاء يقولون: إن الإنسانَ خالقٌ لفعلِه قادرٌ على فعل ما يريد، من غير أن يكونَ شيءٌ من أفعاله مخلوقًا لله تعالى، وهذا المذهب أيضًا على خطأ عظيمٍ؛ لأنه إذا اعتَقدَ أن الإنسانَ خالقٌ لأفعاله فقد جَعَلَ الإنسانَ شريكًا لله تعالى في كونه خالقا.
وفسادُ هذَين المذهبَين ظاهرٌ، فلا نُضيع زمانَنا بالاشتغال بإقامة الأدلة على فساد هذَين المذهبَين.
وأما المذهب الثالث: فهو مذهب أهل السُّنَّة والجماعة - كثَّرَهم الله تعالى -، وهؤلاء يقولون: إن الخلقَ والقدرةَ من صفات الله تعالى، فلا يجوز أن يكون للعباد، والعبوديةُ صفةُ العباد، وما هو صفةٌ للعباد لا يجوز أن يكونَ لله تعالى؛ يعني: جميعُ أفعال العباد من الخير والشر مخلوقةٌ لله تعالى ومكتسبةٌ للعباد، يخلق الله تعالى أفعالَهم كلَّ فعلٍ في وقتٍ مقدَّرٍ، وللعباد اختيارٌ في فعلهم، واختيارُهم في الفعل بمشيئة الله تعالى، وهم مكلَّفون ومُثابون ومُعاقَبُون بأفعالهم؛ لأن صدورَ الفعل منهم باختيارهم.
فإن قيل: إذا كان للعباد اختيار في أفعالهم واختيارهم بمشيئة الله، قال الله تعالى:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[التكوير: ٢٩]؛ فلو لم يشأ الله للعبد اختيارَ الخير فكيف يفعل الخير؟ وكذلك لو لم يشأ الله للعبد اختيارَ الشر فكيف يفعل الشر؟
قلنا: حاصل هذا: أن القَدَرَ سرُّ الله تعالى، لا يطَّلع عليه نبيٌّ مُرسَلٌ