قوله عليه السلام:"إن العبدَ لَيعملُ عملَ أهل النار ... " إلى آخره؛ يعني: رُبَّ شخصٍ يعمل عملَ أهل النار من الكفر والمعاصي، وفي تقدير الله أنه من أهل الجنة، فيصرفه الله تعالى في آخر عمره من الكفر والمعاصي إلى الإيمان والطاعة، فيموت على الإيمان والطاعة؛ فيدخل الجنةَ، ورُبَّ شخصِ يعمل بعمل أهل الجنة من الإسلام والطاعة، وفي تقدير الله تعالى أنه من أهل النار، فينصرف ويتحوَّل في آخر عمره من الإيمان والطاعة إلى الكفر والمعصية؛ فيدخل النارَ.
قوله:"وإنما الأعمال بالخواتيم"؛ أي: إنما الأعمالُ متعلقةٌ ومقيَّدةٌ في السعادة والشقاوة بآخر العمل (١)، فإن ماتَ على الإيمان والطاعة عُلِمَ أن أعماله الصالحةَ كانت مفيدةً له، فكانت سببَ نجاته من النار، وإن ماتَ - نعوذ بالله - على الكفر والمعاصي تبيَّن أن أعماله الصالحةَ صارت ضائعةً غيرَ مفيدةٍ له، ولهذا لا يجوز لأحدٍ أن يَشهد بكون أحدٍ من أهل الجنة أو من أهل النار إلا مَن جاء النصُّ بأنه من أهل الجنة، ولكن مَن رأيناه مشتغلًا بالأعمال الصالحة نرجو له السعادةَ من غير أن نَقطعَ، ومَن رأيناه مشتغلًا بالأعمال القبيحة نَخافُ عليه الشقاوةَ من غير أن نَقطعَ.
واعلم أن جميعَ ما يجري في العالم من الإيمان والكفر، والطاعة والعصيان، والخير والشر، والسعادة والشقاوة، وغير ذلك من الكليات والجزئيات بتقدير الله تعالى وقضائه، ولا يندفع منه شيء.
وفي هذه المسألة ثلاثُ مذاهبَ:
أحدها: مذهب أهل الجَبْر، والجَبْر: القهر، وهؤلاء يقولون: إن الإنسانَ ليس له اختيارٌ في فعله، بل يجري عليه فعلهُ بتقدير الله تعالى أراد أو أَبَى، وهو