"السِّرار" هنا: السَّرُّ والكلامُ الخَفِيُّ؛ يعني: أذنتُ لك أن تسمعَ سرَّي إلا أن أنهاك، وهذا دليلٌ على تشريف ابن مسعود وانبساطه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
* * *
٣٦١٣ - وقال جَابرٌ: أتيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في دَيْنٍ كَانَ عَلى أَبيْ، فدَقَقْتُ البَابَ فقال:"مَنْ ذَا؟ " فقُلْتُ: أَنَا، فَقَال:"أَنَا، أَنَا! " كأنَّه كَرِهَها.
قوله:"أنا أنا"؛ يعني: لم يرضَ من جابرٍ التكلُّمُ بهذا اللفظ؛ لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنما قال:"مَن ذا؟ " ليخبرَ جابرٌ بلفظٍ يحصل للنبي تعريفُه، ولا يحصل التعريفُ بلفظ: أنا؛ لأن هذا اللفظَ مشتركٌ بين جميع المتكلِّمين.
ويحتمل أن يكون وجه كراهيته - صلى الله عليه وسلم - هذا اللفظَ من جابر: أن في هذا اللفظ تعظيمًا وتكبُّرًا، فلم يرضَ النبي - صلى الله عليه وسلم - منه التكلمَ بلفظٍ ليس فيه تواضعٌ.
* * *
٣٦١٤ - وقَالَ أَبُو هُرْيرَةَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فوجَدَ لَبنًا في قَدحٍ فقالَ:"أَبَا هِرٍّ! الْحَقْ بِأَهْلِ الصُّفَّةِ فادْعُهُم إِليَّ"، فأَتيتُهُم فدَعَوتُهُم فأَقْبَلُوا، فاسْتَأذَنوُا فأُذِنَ لَهُم فَدَخَلُوا.
قوله:"فاستأذَنُوا، فأذِنَ لهم"، معنى هذا الحديث مخالفٌ لحديثٍ يأتي بعدَ هذا، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دُعِيَ أحدُكم فجاء مع الرسول، فإن ذلك إذنٌ" هذا الحديثُ صريحٌ بأن المَدعوَّ إذا جاء مع الرسول لا حاجةَ له إلى إذنٍ، بل إرسالُ الرسولِ إذنٌ في الدخول، وحديثُ أهل الصُّفَّة صريحٌ بأنهم استأذنوا.
والتوفيق بين الحديثين: أن مجيءَ أهل الصُّفَّة لم يكن مع الداعي، بل أتوه بعدَه، فلهذا احتاجوا إلى الاستئذان.
ويحتمل أنه مضى زمانٌ كثيرٌ بين دعائهم وبين إتيانهم، فإذا مضى زمانٌ