قوله: "سُئل عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - عن هذه الآية"؛ يعني: عن كيفيةِ أخذِ الله ذُريةَ بني آدم من ظهورهم المذكورِ في هذه الآية.
واعلم أن كل المفسِّرين قالوا: إن الله تعالى أَخرجَ ذُريةَ آدم من ظهر آدم، فأولاده أَخرجَهم من ظهره، ثم أَخرجَ من ظهورِ أولادِه أولادَهم واحدًا بعد واحدٍ على ما يكونون عليه إلى يوم القيامة.
قيل: كان ذلك قبلَ الدخول في الجنة بين مكة والطائف، وقيل: ببطن نعمان؛ وادٍ بجنب عرفة، وقيل: أخرجهم من ظهره في الجنة، وقيل: بعد نزوله من الجنة بدهيا، وهي أرض بهند.
قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ}؛ أي: واذكر يا محمدُ إذ أَخذَ ربُّك من ظهورهم، بدلٌ من (بني آدم) بدلَ البعض من الكل؛ أي: وإذ أَخذَ ربُّك من ظهور بني آدم ذُريتَهم، ومعنى (أَخذ): أَخرجَ.
{وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: أَشهَدَ بعضَهم على بعضٍ على هذا الإقرار وعلى هذه الحالة.
{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}: هذا استفهام تقريريٌّ؛ أي: قال الله تعالى للذُّرِّيَّة: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}؛ أي: قالت الذُّرِّيَّة: بلى أنتَ ربنا، و (بلى): كلمة إثبات، سواءٌ كان قبلها نفي أو إثبات، ولو قالوا:(نعم) بدل (بلى) قيل: لَكان كفرًا؛ لأن (نعم) تصديقٌ لِمَا قبله، إن كان نفيًا يكون نفيًا، وإن كان إثباتًا يكون أيضًا إثباتًا، وقيل: لا فرق بين (نعم) وبين (بلى) في هذا الموضع.
{شَهِدْنَا}؛ يعني: قالت الملائكة: شهدنا على إقراركم؛ لئلا تقولوا يومَ القيامة: لم نُقِرَّ هذا الإقرارَ، وقيل: هذا من قول الذُّرَّيَّة؛ أي: قال فريقٌ من الذُّرَّيَّة لفريقٍ: شهدنا على هذا الإقرار؛ كيلا تقولوا: لم نُقِرَّ إقرارًا.