والاحتمال الثالث: أن يكونَ ملوكُ بلاد المسلمين مسلمين، ولكن يغلبُ عليهم الظلمُ والفسقُ، فيريقونَ دماءَ المسلمين، ويأخذون أموالهم بغير حق، ويزنون، ويشربون الخمر، ويلبسون الحرير، ويعتقد بعضُ الناس أنهم على الحق، ويفتيهم بعض علماء السوء على جواز ما يفعلون من المحرمات، وربما يغضبُ الملكُ على أحد من الرعيَّةِ، ويأمر الناس بقتله، أو بأخذ ماله، فيعتقدُ بعض الناس كَوْنَ أمره حقًا، وربما يأمر بصلبِ السَّارق، فيعتقد الناسُ جوازَهُ، فيكفرون به، لأن حدَّ السَّارقِ القَطْعُ لا الصَّلب.
روى هذا الحديث أبو هريرة.
* * *
٤١٤٦ - وقال:"ستكونُ فِتَنٌ القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمُ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشي، والماشي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعي، مَنْ تَشرَّفَ لها تَسْتَشرِفْهُ، فمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أو مَعاذًا فلْيَعُذْ بهِ".
وفي رِوايةٍ:"النَّائِمُ فيها خيرٌ مِنَ اليَقْظانِ، واليَقْظانُ خيرٌ مِنَ القائِمِ".
قوله:"ستكون فتن القاعدُ فيها خيرٌ من القائم": وإنما كان القاعد فيها خيرًا من القائم؛ لأن القائمَ أقربُ إلى تلك الفتن من القاعد؛ لأنه يرى ويسمع، ما لا يراه ويسمعه القاعد، وكذلك القائم بمكانه خيرٌ من الماشي إلى الفتن.
"من تَشَرَّفَ لها تَسْتَشْرِفْهُ"، (تَشَرَّفَ واسْتَشْرَفَ): إذا صعد مكانًا شَرَفًا؛ أي: مرتفعًا؛ لينظر إلى شيء، هذا هو الأصل، ثم يستعمل (التَّشَرُّفُ والاستِشْرَافُ) في النظر إلى شيء في أيِّ مكانٍ كان؛ يعني: مَنْ قَرُبَ من تلك الفتن، ونظرَ إليها، نظرَتْ إليه الفتنُ؛ يعني: مَنْ قَرُبَ منها تَجره إلى نفسها؛ يعني: الخلاص في التباعد منها، والهلاك في مقاربتها.