وأما إذا دخلوا في بلاد المسلمين قَهرًا والعياذ بالله سبحانه، فلا يباح لأحدٍ البتة تركَ القتال من الأحرار والعبيد؛ لأن الجهادَ في هذه الحالة فرضُ عين، وفي الحالة الأولى فرض كفاية.
* * *
٤١٨٩ - عن رَجُلٍ من أصحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ:"دَعُوا الحَبَشَةَ ما وَدَعُوكُمْ، واتْرُكُوا التُّرْكَ ما تَرَكُوكُمْ".
قوله:"دَعُوا الحبشة ما وَدَعُوكُم": معنى هذا الحديث مذكور في الحديث المتقدم، وفيه بحثٌ لغوي، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما وَدَعُوكُمْ" على بناء الماضي، وهو خلاف زَعْمِ العرب وهو أن لفظة (يدع) ما له مصدر ولا ماض ملفوظان.
وإنما قيل: ملفوظان؛ ليخرج التقدير، فإن لفظة (ودع) مقدرةٌ دهنًا، وإن لم تَبرز لفظًا، وكيف لا يكون وقد جَاء (يدعُ ودَع)؛ لأن المضارع ناشئٌ عن الماضي، والأمر عن المضارع، كما دل الأمر على وجود المضارع، كذا دل المضارع على وجود الماضي.
وكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - متبوعٌ لا تابع، بل فصحاء العرب عن آخرهم بالإضافة إليهم بأقل، وأيضًا فلغاتُ العرب مختلفةٌ، منهم مَن انقرض وانقرضت لغتُه، فيكون - صلى الله عليه وسلم - أتى بها من لغة أخرى غريبة، أو على أصل اللغة، أو لغةِ مَن انقرض.
قال شَمِر: زعمت النحوية أن العرب أماتوا مصدره وماضيه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أفصح، قاله في "الغريبين".
* * *
٤١٩٠ - عن بُرَيْدَةَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حديثٍ: "يُقاتِلُكُمْ قَوْمٌ صِغارُ