قوله:"فيُختَمُ على فيه"؛ أي: على فمِهِ، "فيقال لأركانه"؛ أي: لجوارحه "انطقي" فتنطق بأعماله.
يعني: تشهد جوارحُهُ بذنوبه، فتقول يده (١) مثلًا: سرقتَ بي المال الفلاني، وتقول رجله: بي خطوتَ إلى المعاصي، وتقول العين: بي نظرتَ إلى الحرام، وتقول الأذن: بي سمعتَ الغيبة والبُهتان، ومصداقُ هذا قولُهُ تعالى:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يس: ٦٥].
وشهادة - الجوارح وإن كُنَّ جمادات - ليست مستبعدةً؛ لأن البينة ليست شرطًا عند أهل السنة، قال الله تعالى:{أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}[فصلت: ٢١].
قوله:"ثم يُخلَّى بينه وبين الكلام"؛ يعني: يُخلَّى العبدُ المجرمُ بينه وبين كلامِهِ، فيقول لجوارحه:"بُعدًا لكُنَّ وسُحقًا".
(بعدًا) و (سحقًا): من المصادر التي وجب حذفُ فعلها، وإنما وجب حذف فعلها؛ لأن كَثُرَ التلفظ بها، وفُهِمَ منها معنى الدعاء والإخبار، كما فُهِم من الفعل، فصارت كأنها بدل من اللفظ بالفعل، فلم يظهر الفعلُ معهنَّ حتى لا يجتمع البدل والمبدل.
والضمير المخاطب في (لكنَّ) للجوارح.
قوله:"فعنكُنَّ أناضل": قال في "الصحاح": فلان يناضلُ عن فلان: إذا تكلم بُعذرِهِ ودفعَ، وأصلُ المناضلة: المراماةُ بالسهام.
والمراد بها ها هنا: المحاجَّة بالكلام؛ يعني: كنت أخاصمُ مع الله سبحانه