(ما أغدرك)، (أغدر): أفعل من: الغدر، وهو ضد الوفاء، و (ما): للتعجب، معناه: شيء، وهو مبتدأ، و (أغدرَك): جملة فعلية خبره، فعلى هذا معنى التعجب في كلام الباري تعالى: إنك تستحق أن تتعجب من كثرة غدرك وثباتك عليه، ويجوز أن تكون (ما) للاستفهام مبتدأ، و (أغدرك): خبره، فالهمزة في (أغدرك) للجَعل؛ أي؛ أيُّ شيء جعلَك غادرًا إذا أَعطيتَ العهدَ والميثاقَ؛ أي: لا تسألُ غيرَ ذلك.
قوله:"فلا يزال يدعو حتى يضحكَ الله منه"، والضَّحِك: صفة أجسام، والله - عز وجل - منزَّه عنه كما ذُكر غيرَ مرةٍ، يعني: يداوم العبدُ في دعائه حتى يرضَى الله سبحانه عنه، فإذا كان كذلك يكون المراد به: الرضا؛ لأن الرضا لازمة، فإن مَن يرضى عن شيء، أو يتعجب منه يضحك.
قوله:"فيقول: تَمَنَّ، فيتمنَّى حتى إذا انقطع أمنيتُه"، (تمنَّ): أمر مخاطب من: تمنَّيتُ الشيءَ؛ أي: اشتهيتُه، ومنَّيتُ غيري تمنيةً، و (الأمنية) واحدة: الأماني، وهي ها هنا بمعنى المُشتَهَى والمطلوب؛ يعني: يقول الله جل وعز لعبده المغفور في جنته: اطلبْ مني ما تريد، فيشتهي مِن حضرته ما يشاء، حتى يصلَ إلى منتهى مراده.
قوله:"قال الله تعالى: من كذا وكذا، أقبل يُذكِّره ربُّه حتى، إذا انتهت به الأماني"، (من) في (من كذا): للبيان، متعلق بـ (تمنَّ)؛ يعني: تمنَّ مِن كل جنس ما تشتهي منه، (كذا): اسم مُبهَم، تقول: فعلتُ كذا، وقد يجري مجرى (كم) فيُنصَب ما بعده على التمييز، تقول: عندي كذا وكذا درهمًا؛ لأنه كان كنايةً، ذكره في "الصحاح".
وها هنا المعنى الأول سائغ؛ يعني: يقول الله تعالى: أتفضَّل عليك تفضُّلًا