قوله: "إنكم ستَرَون ربَّكم كما تَرَون هذا القمرَ لا تُضامون في رؤيته"، قال الخطابي: هو الانضمام، يريد: إنكم لا تختلفون في رؤيته حتى تجمعوا للنظر، وينضم بعضكم إلى بعض، فيقول واحد: هو ذاك، ويقول آخر: ليس بذاك، على ما جرت به عادة الناس عند النظر إلى الهلال أولَ ليلة من الشهر، ووزنه: تَفَاعَلُون، وأصله: تَتَضامون، حُذفت منه إحدى التاءين.
وقد رواه بعضهم: "لا تُضامُون" بضم التاء وتخفيف الميم، فيكون معناه على هذه الرواية: أنه لا يلحقكم ضَيمٌ ولا مشقةٌ في رؤيته، وقد يُخيَّل إلى بعض السامعين أن الكاف في قوله:(كما ترون) كاف التشبيه للمَرْئي، وإنما كان التشبيه للرؤية، وهو فعل الرائي، ومعناه: تَرَون ربَّكم رؤيةً ينزاح معها الشكُّ وتنتفي معها المِريةُ، كرؤيتكم القمرَ ليلةَ البدر، لا ترتابون ولا تمترون فيه.
قوله: "فإن استطعتُم أن لا تُغلَبوا على صلاةٍ قبلَ طلوع الشمس وقبلَ غروبها فافعلوا"؛ يعني: إن قدرتُم على ألا تكونوا مغلوبين في صلاة الصبح وصلاة العصر فافعلوا؛ يعني: مَن داوَمَ على هاتَين الصلاتَين فكأنه ممن رُزِقَ لقاءَ الله سبحانه، فإذا كان كذلك فمداومتُه على هاتَين الصلاتَين كأنه عنوانٌ على حسن خاتمته.
قال الخطابي: هذا يدل على أن الرؤيةَ قد يُرجَى نيلُها بالمحافظة على هاتَين الصلاتَين، ووقوعُ الاختصاص لهاتَين الصلاتَين بالذِّكر - وإن كانتا كسائر الصلوات في محل الفرضية - كاختصاصهما بلَقَبِ التوسُّط بين الصلوات الخمس، وإن كان كلُّ واحدةٍ من الخَمس مستحقةٌ لهذه الصفة في وضع الحساب، والله أعلم.