فإن قيل: معناه: لولا أنكم لو سمعتُم صوتَ المعذَّب في القبر لم تدفنوا أحداً، كيلا يلحقه العذاب في القبر، لأن العذابَ يلحق في القبر، فلولا أنكم ظننتُم كونَ العذاب في القبر وتركتُم الدفنَ لَدعوتُ الله تعالى أن يُسمعَكم عذابَ القبر.
قلنا: هذا التأويل خطأٌ عظيمٌ وظنُّ سوءٍ في حق الصحابة؛ لأن الصحابةَ يعلمون أن الله تعالى قادرٌ على أن يُعذَّبَ الميتَ في القبر وفي وجه الأرض، وكذلك لو غرقَ أحدٌ في الماء أو أكلَه سَبُعٌ لَعذَّبَه الله إن كان مُستحقًا للعذاب في جوف البحر وبطن السَّبعُ وهكذا؛ ليعتقدَ كلُّ مسلمٍ ويعلمَ أن عذابَ الميت بعدَ الموت وقبلَ القيامة - سواءٌ كان في القبر أو غيره - يكون لجميع الكفار وبعض العُصَاة من المسلمين تكفيرًا لِذنوبِ مَن عُذَّبَ من المسلمين.
قوله عليه السلام:"تعوَّذُوا بالله من عذاب النار"، (التعوُّذ): طلب الدفع، (تعوَّذُوا)؛ أي: اطلبوا من الله تعالى أن يدفعَ عنكم عذابَ النار، ويدل هذا على أن لا يجوز لأحدٍ أن يَأمَنَ من عذاب الله، بل يكون كلُّ واحدٍ خائفًا من العذاب باكيًا على الذنوب سائلاً من الله العفوَ والعافيةَ.
قوله:"تعوَّذُوا بالله من الفِتَنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ"، (الفتن) جمع: فتنة، وهي الامتحان، ويُستعمل في البلاء والمكروه، و (ما ظهر منها وما بطن)؛ أي: الجَهر والسَّرُّ، وقيل:(ما ظهر): ما يجري على ظاهر الإنسان، و (ما بطن): ما يكون في القلب من الشرك والرياء والحسد وغير ذلك من مذمومات الخواطر، و (بطن) ضد (ظهر).
واسم جدِّ "زيد": الضحَّاك بن زيد بن لَوْذان، وهو أنصاري.
* * *
مِنَ الحِسَان:
٩٦ - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قُبِرَ الميِّتُ أتاهُ