بعمله، إنْ خيرًا فخيرٌ وإن شرًّا فشرٌّ، فحينَئذٍ لا ظلمَ على أحدٍ، قال الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}[غافر: ١٧].
فإن قيل: كيف يُتصوَّر الظلمُ في جناب عظمة مَن لا اعتراضَ في أمره ولا كيفَ في حُكمِه، وهو الفاعلُ المختارُ بما نطق به القرآن العظيم، يفعل الله ما يشاء، ويحكم ما يريد، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء: ٢٣]؟
قيل: دفعًا لوهمِ مَن يقيس الغائبَ على الشاهد.
قوله:"وأما الجنةُ فإن الله يُنشئ لها خلقًا"، (ينشئ)؛ أي: يُظهِر ويَخلُق؛ يعني: أن الله سبحانه وتعالى يَخلُق يومَ القيامة خلقًا؛ لتَمتلئَ الجنةُ بهم، بعدما دخل فيها الأنبياءُ والأولياء والمؤمنون؛ تصديقًا لقوله:"ولكلِّ واحدةٍ منكما ملؤُها".
* * *
٤٤٢٠ - وعن أنسٍ - رضي الله عنه -، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ:"لا تزالُ جَهَنَّمُ يُلقَى فيها وتَقُولُ: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} حتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فيها قدَمَهُ، فيَنْزَوِي بَعْضُها إلى بَعْضٍ وتقولُ: قَطْ قَطْ قَطْ بِعِزَّتِكَ وكَرَمِكَ، ولا يزالُ في الجَنَّةِ فَضْلٌ حتَّى يُنْشِئَ الله لها خَلْقًا فيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ".
قوله:"فيُسكنهم فضلَ الجنة"؛ يعني بـ (فضل الجنة): اتساع المساكن عن ساكنيها، كما يسكن جماعةٌ قليلةٌ في بلدٍ كبيرةٍ فتخلو أكثرُ المَسَاكن.
وفي الحديث: سِرُّ أنَّه أيضًا خَلَقَ في النار هذا الاتساعَ، ولكن يأمرُها بالانزواء والانضمام، تغليظًا على المعذَّبين، والجنةُ موضعُ رحمةٍ؛ فالانضمامُ ينافي إطلاقَ ساكنيها فيها، فيدع الفضلَ بسعته وتمكينه مما يشاء، شيءٌ لا يهتدي العقلُ إليه، قال الله تعالى:{وَيَخلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[النحل: ٨].