يَمَسُّ الشيطانُ بإصبعيه - يعني السبابة والوسطى - جَنْبَي جميعِ بني آدم حين يولَدُ إلا عيسى عليه السَّلام.
فإنه ما وصلَ إليه مِن مِسِّه، لأنه ما طَعَنَ في المشيمة، بحيث ما كان متأثِّرًا من طَعْنِه، وإنما لم يتأثَّرْ من مَسِّه؛ لأن الله تعالى أعاذَ مريمَ وأولادَها من الشيطان تقبُّلًا لنَذْرِ حَنَّةَ أمِّها، وأعاذ بها مريمَ وذريتها، لقوله تعالى حكايةً عنها:{سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}[آل عمران: ٣٦]، فهذا لا يخلو إما أن يكونَ من الفضائل أو الخصائص، فإنْ كان من الفضائل، فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَى بذلك، لأنه أفضلُ من في السماوات والأرض، وإن كان من الخصائص فيجوزُ أن يختصَّ عيسى عليه السلام بذلك، فإن الخاصية لا تَقْبَلُ الاشتراك.
* * *
٤٤٥٢ - عَن أَبي مُوسَى - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثيرٌ، ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّساءِ إلَّا مَرْيمُ بنتُ عِمرَانَ وآسِيَةُ امرَأةُ فِرعَوْنَ، وفَضْلُ عَائِشةَ عَلَى سَائِر النِّسَاءِ كفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ".
قوله:"كَمَلَ من الرجالِ كثيرٌ، ولم يكمُلْ من النساء إلا مريمُ"، الحديث.
يعني: كَثُرَ أهلُ الكمال في الرجال وهم الأنبياءُ والأولياءُ، فإنهم الكاملون المكمِّلون.
يعني: الكامِلون في أنفسهم، والمكمِّلون لغيرهم، على حسب مراتبهم في عِلْمهم ومعرفتهم بالله سبحانه.
وأما النساء: فما كَمَلَ منهنَّ إلا مريمُ بنت عمران، وآسيةُ زوجةُ فرعون - رضي الله عنهما - في زمانهما؛ لأنه وردتْ أحاديثُ أخرى في كمال خديجةَ وفاطمةَ وعائشةَ رضي الله عنهن.