كانوا يَتَّجِرُون، ويسافرون للتجارة، وهي تصغير قَرْش، والقَرْشُ التكسُّبُ والجَمْع، أو لعِظَمِ أمرِهم وقُوَّتِهم فسُمُّوا بقريش، لأن القريشَ قيل: هي دابةٌ عظيمةٌ في البحر لا يقاوِمُها شيء.
قال الشاعر:
وقريشٌ هي التي تَسْكُنُ البَحْـ ... ـرَ بها سُمِّيتْ قريشٌ قُرَيشًا
سُلِّطَتْ بالعُلُوِّ في لُجَّةِ البحـ ... ـر على سائرِ البحور جُيوشا
تأكلُ الغَثَّ والسمينَ ولا تَتْـ ... ـرُكُ فيه لذي الجَناحين رِيشا
هكذا في البلاد حَيُّ قريشٍ ... يأكلُونَ البلادَ أَكْلًا كَمِيشا
ولهم آخرَ الزمانِ نبيٌّ ... يُكْثِرُ الصَّدَ فيهم والخُمُوشا
قال ابن الحاجب في "شرح المفصل": قريشٌ على نوعين: قريشُ البَطْحَاء، وقريشُ الضَّواحِي.
وقريشُ البطحاء: هم الذين نزلوا ببطحاءِ مكة، والبطحاءُ: تأنيث أَبْطَح، وهو مَسِيلُ الماءِ الذي فيه حجارةٌ صِغَارٌ.
وقريشُ الضواحي: مَن خرجَ منها، والنازلون البطحاء خيرهم، والنازلون وسطها خيرَ الخَيْر، والضواحي جمع ضاحية، وهو بمعنى الناحية.
يقال: ضاحية كلِّ شيء ناحيتُه البارِزَة؛ يعني: الذين نزلُوا ببطحاءِ مكةَ خيرٌ من الذين نزلوا بضواحيها، والذين نزلُوا بوسَطِ البَطْحاء خيرٌ من الذين نزلُوا بالبطحاء، وكان عادةُ ساداتِ قريشٍ أن ينزِلُوا بوسطِ بطحاءِ مكة.
قيل: السرُّ في تفضيل قريشِ البطَاح: ورودُ جميعِ قبائلِ أيامِ الحاجِّ إليهم، فيخاطِبُونهم بلغاتٍ مختلفة، فعند إحاطتهم بجميعها يختارُون الأفصحَ من اللُّغَات، فإذا كانوا أفصحَ الباقين جاءَ اختيارُهم، إذ فضيلةُ العرب بالفصاحة،