للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: "إني قضيتُ قضاءً فإنه لا يُرَدُّ"؛ يعني: إذا حكمتُ بوقوعِ شيءٍ فإنه غير مردودٍ لا محالة.

واعلمْ أنَّ لله تعالى قضى في خلقه قضاءين مبرَمًا ومُعَلَّقًا، وأمَّا القضاءُ المُعَلَّقُ فهو عبارةٌ عما قَدَّرَه في الأَزَل مُعَلَّقًا بفِعْل، كما قال: إنْ فَعَلَ الشيءَ الفلانيَّ فكان كذا أو كذا، وإن لم يفعلْه فلا يكونُ كذا وكذا.

وهو من قَبيل ما يتطرَّقُ إليه المَحْوُ والإثباتُ، كما قال تعالى في مُحْكَم كتابه {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩].

وأما القضاء المُبْرَمُ؛ فهو عبارةٌ عما قَدَّره سبحانه في الأزل من غير أن يُعَلِّقَه بفعل، فهو في الوقوع نافذٌ غايةَ النَّفَاذ، بحيث لا يتغيَّرُ بحالٍ، ولا يتوَّقفُ على الَمْقضيِّ عليه ولا الَمْقضيِّ له؛ لأنه من عِلْمِه بما يكون وبما كان، وخلافُ معلومه مستحيلٌ قطعًا، وهذا مِن قَبيلِ ما لا يتطرَّقُ إليه المَحْوُ والإثبات، قال الله - عز وجل -: و {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد: ٤١]، وقال تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: ٢٩]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا مردَّ لقضائه، ولا مانعَ لحكمه".

فقولُه - صلى الله عليه وسلم - حكايةً عن الله سبحانه: "إني قضيتُ قضاءً فإنه لا يُرَدُّ" من القَبيل الثاني، وما ذَكَرَه تعالى في إجابة دعاءِ حبيبه - صلى الله عليه وسلم - إلا لتأكيد الإجابة، والاعتماد عليها غايةَ الاعتماد.

* * *

٤٤٧٣ - عَنْ سَعْدٍ - رضي الله عنه -: أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بمَسجِدِ بني مُعَاوِيةَ، دَخَلَ فرَكعَ فيهِ رَكعتَيْنِ، وصَلَّيْنا مَعَهُ، ودَعا ربَّهُ طَوْيلاً، ثمَ انْصَرَفَ، فَقَال - صلى الله عليه وسلم -: سَأَلْتُ ربي، ثَلَاثًا فأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ، ومَنعَنِي وَاحِدةً: سَألتُ ربي أنْ لا يُهلِكَ أُمَّتِي بالسَّنَةِ فأَعْطَانِيها، وسَألتُهُ أنْ لا يُهلِكّ أُمَّتي بالغَرَقِ فأعْطَانِيها، وسَألتُهُ أنْ لا يَجْعَلَ بأسَهُمْ بَيْنَهُمْ فمَنعَنِيها".

<<  <  ج: ص:  >  >>