قبرٍ، أو عندَ قبرٍ "يبكي حتى يبلَّ لحيتَه" من الدمع، "فقيل له: تذكرُ الجنةَ والنارَ ولا تبكي"؛ يعني: تسمع ذكرَ الجنة والنار ولا تبكي من خوف النار واشتياق الجنة، "وتبكي من" خوف القبر؟
قوله:"أولُ منزلٍ من منازل الآخرة"؛ يعني: للآخرة منازلُ، أولُها القبرُ، ومنها عَرْصَةُ القيامة عند العرض، ومنها الوقوفُ عند الميزان، ومنها المرورُ على الصراط، ومنها الجنةُ والنارُ.
"فإن نجا"؛ أي: فإن نجا الرجلُ في القبر من العذاب تكون نجاتُه علامةَ السعادة.
"فما بعده"؛ أي: فما بعدَ القبرِ من أحوال القيامة تكون أيسرَ وأسهلَ عليه.
"وإن لم ينجُ" من العذاب في القبر يكون عذابُه في القبر علامةَ الشقاوة، فيكون ما بعد القبر من أحوال القيامة أشدَّ وأشقَّ عليه؛ يعني: قال عثمان: لأجل هذا أبكي من خوف القبر، فما أدري: أَنْجُو من عذاب القبر حتى يكونَ ما بعدَه أيسرَ عليَّ أم لا أَنْجُو منه حتى يكونَ ما بعدَه أشدَّ عليَّ.
وحيث ذُكِرَ (عثمانُ) مطلقًا فاعلم أنه عثمانُ بن عفَّانَ بن العاص بن أميةَ بن عبدِ شمسِ بن عبدِ مَناف، وكنية "عثمان": أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الله؛ والأول أشهر.
"قال: قال رسول الله عليه السلام: ما رأيتُ منظرًا قطُّ إلا والقبرُ أفظعُ منه"، الضمير في (قال) لعثمان - رضي الله عنه -، (المنظر): الموضع الذي ينظر إليه، (أفظع): أفعل التفضيل من فَظُعَ - بضم العين في الماضي والغابر - فظاعةً: إذا صار الشيءُ هولاً مُنكَرًا شديدًا؛ يعني: قال عثمان - رضي الله عنه -: قال رسول الله عليه السلام: ما رأيتُ شيئًا إلا والقبرُ أشدُّ وأفزعُ وأنكرُ منه.