قط ما كان فيه أدنى تبرُّمٍ وملالٍ مدةَ ما خدمْتُه، ولا لشيء فعلتُه قال لي: لمَ فعلْتَه، ولا لشيء لم أفعله - وكنت مأمورًا به - قال لي: لِمَ لمْ تفعل.
وهذا الحديث مستَنَد أهل التحقيق الذين لا ينظرون إلى أفعالهم ولا إلى أفعال جميع الخلائق في سائر أحوالهم، بل ينظرون إلى فعل الحق - تعالى وتقدس - لا على عقيدة الجبرية، بل يقطعون الوسائط والأسباب بما لهم من المكاشفة والوجدان، وهؤلاء يسمَّون بلسان الصوفية: الأولياء بالأفعال.
* * *
٤٥٢١ - وقَالَ أَنسٌ: كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَحْسنِ النَّاسِ خُلُقًا، فأرسَلَنِي يومًا لِحاجَةٍ، فقلتُ: والله لا أذهبُ، وفي نفسِي أنْ أذهبَ لِما أمرَنِي بهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فخَرجتُ حتى أمُرَّ على صبيانٍ وهُمْ يَلعبونَ في السُّوقِ، فإذا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قدْ قَبضَ بِقَفايَ مِنْ ورائِي، قَالَ: فنظرتُ إليهِ وهو يَضحكُ فقال: "يا أُنَيْسُ! ذَهَبْتَ حيثُ أَمَرتُكَ؟ "، قُلتُ: نعمْ، أنا أذهبُ يا رَسُولَ الله!
قوله:"قد قبض بقفاي من ورائي" الحديث.
"قبض": إذا أخذ، "القفا" مقصورًا: مؤخَّر العنق، يذكَّر ويؤنث، و"وراء" - ممدودًا - بمعنى: خلف، وقد يكون بمعنى قدَّام، وهو من الأضداد، ذكره في "الصحاح"، وهي ها هنا بمعنى خلف، و"أنيس": تصغير أنس.
قول أنس:"نعم أنا أذهب" - في جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا قال له "ذهبت" معناه: أذهبت إلى مأموري؟ فقال له:(نعم) - يُوِهمُ أنه ذهب، وإن كان ما ذهب، لكن لمَّا عزم على الذهاب عليه صح أن يقول: نعم، إذ المأمول كالموجود، ثم صرح بقوله:(أنا أذهب).