للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فجميع الأقسام شهد به التنزيل، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: ٥١]، فالإلهام والتسخير والرؤيا دل عليها قوله تعالى: {إِلَّا وَحْيًا}، وسماع الكلام من غير واسطةِ ملكٍ دل عليه قوله سبحانه: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}، وما هو بواسطة جبريل عليه السلام، أو ملكٍ آخر دل عليه قوله تعالى: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: ٥١].

فقوله: (أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس) إشارة إلى السماع الحاصل من وراء الحجاب، ولذلك قال: (هو أشد علي)؛ فإنه لا يحصل ذلك إلا لمن انسدت له مواد الوساوس، وركدت له أسباب الحواس، وحصل له الإقبال بالكلية على الله سبحانه وتعالى، وإنما كان كذلك لأن الحواس معزولةٌ عن مطالعة الملكوت.

ولا يستدعي إدراكُ الصور الفعلية والقولية إذا كانت من عوالم المعاني بواسطة ملكٍ النومَ لا زمانًا ولا ترتيبًا كما تستدعيها حالة اليقظة، بل وقعت وقعةً واحدة في نفس النائم، وانتقشت به، ولهذا صارت الرؤيا جزءًا من أجزاء النبوة، فإذا ثبت له هذا المقام، فحينئذ تنتقش الصور في قلبه الملكوتي الكامل، من الأنوار الملكوتية، وأسرار العلوم الغيبية، كما تنتقش الصور المحاذية للمرآة، بل يطالع (١) الجبروت وهو عبارة عن العندية والقرب.

فقلبُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان متصفًا بذلك، ومتهيئًا لقبول الأنوار الملكوتية، وكان مطالعًا للجبروت، فصار مظهرًا للوحي القديم، قال - صلى الله عليه وسلم -: "تنام عيناي ولا ينام قلبي".

فإذا عرفت ذلك: فاعرف أن الجبروت مرآة للملكوت، والملكوتُ مرآة للمَلَك، فالمَلَكي إذا انفتح له عين القلب، وحصل له كمال الاستعداد، يفوز


(١) في "م": "مطالع".

<<  <  ج: ص:  >  >>