قال أرشد الدين الفيروزاني في "شرحه": قيل: ويُحتمل أن تكون الصَّلوات الخمسون التي أوجبَها الله سبحانه قبل أن يخفِّفها إلى الخمس هي جميع ما يُؤَدَّى يومًا وليلة من الفرائض والسنن المؤقتة وغيرها، فعند عَدِّها يُعرف أنها خمسون.
والفرائضُ خمس، ورواتبها التي ما قبلها وما بعدها إحدى عشرة صلاة، فالصبح صلاة واحدة، والظهر قبلها صلاتان، وكذا بعدها صلاتان، والعصر قبلها صلاتان، والمغرب بعدها صلاة واحدة، وللعشاء بعدها صلاة واحدة، والوتر صلاتان؛ إحداهما المقدمة، والثانية هي الوتر، وصلاةُ الليل سِتُّ، وصلاةُ الضُّحى ست، وبين المغرب والعشاء ثلاثٌ، وتحيةُ المسجد عند دخولِه لكلِّ فريضةٍ خمس، وبين الأذان والإقامة خمس، وشُكر الوضوء خمس، وصلاة التسبيح والاستخارة وصلاة التوبة وصلاة الحاجة أربع، فمجموعها خمسون، فقد أوجب الله سبحانه في الأول الخَمسين كلها، ثم خَفَّفَ عن عباده، واقتصر على الخَمس رحمةً لهم، وصار الباقي مندوبًا إليها.
قال الخطابي رحمة الله عليه: ومراجعةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - في باب الصلاة إنما جاءَ من رسولنا محمد وموسى - صلوات الله عليهما -؛ لأنهما عَرَفَا أن الأمرَ الأولَ غيرُ واجبٍ قطعًا، فلو كان واجبًا قطعًا؛ لَمَا صدرَتْ منهما المراجعة، فصدورُ المراجعة دليلٌ على أنَّ ذلك غيرُ واجب قطعًا؛ لأن ما كان واجبًا قطعًا لا يَقبل التخفيف.
وقيل: فرضَ في الأول خمسين، ثم رَحِمَ عباده، ونَسَخَهَا بخمسٍ، كآية الرضاع وعدة المتوفى عنها زوجها، وفيه دليل أنه يجوزُ نسخُ الشيء قبلَ وُقُوعِهِ.