اعلم أن الكراماتِ حقٌّ، كما أن المعجزات حق، وكلتاهما من عالَم القُدرة بحيث تَنْخَرِق القدرة إلى الحكمة، حتى يظهر ما يكون خارقًا للعادة، في كِسْوة ما هو ملكي، لكن الفرق بينهما: أن المعجزةَ معدودةٌ للأنبياء متى أرادوها؛ إما باختيارهم أظهروها، وإما باقتراح الأمة إيَّاهم، فكيف ما كان يسهُل عليهم إظهارُها، وإنما كان كذلك لأنهم كانوا مُمَهِّدين للشريعة، وسبب تمهيدهم هو المعجزة، فلو لم يسهُل عليهم إظهارُها لَمَا ثَبَتَ لهم الأديان، فلهذا سَهُل عليهم ذلك، وما صعب عليهم.
وأما الكرامات فهي بخلاف المعجزات، فإنَّ الولي ربما يقدِر أن يأتي بها، وربَّما لا يقدر، فرقًا بينها وبين المعجزة.
* * *
٤٦٥١ - وعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أنَّ أُسَيْدَ بن حُضَيْرٍ وعَبَّادَ بن بِشْرٍ تَحدَّثَا عِنْدَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في حَاجةٍ لَهُمَا حتَّى ذَهبَ مِن الَّليلِ سَاعةٌ، في لَيْلةٍ شَدِيْدةِ الظُّلمةِ، ثُمَّ خَرَجَا مِن عِندِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنْقَلِبانِ وبيَدِ كُلَّ واحدٍ مِنْهُمَا عُصَيَّةٌ، فَأَضَاءَتْ عَصَا أَحدِهِما لَهُمَا حتَّى مَشَيَا في ضَوْئِها، حَتَّى إِذَا افترقَتْ بِهِما الطَّريقُ أَضَاءَت بالآخرِ عَصَاهُ، فمَشَى كُلُّ واحدٍ مِنْهُمَا في ضَوءِ عَصَاهُ حَتَّى بَلَغَ أَهْلَه.
قوله:"بيدِ كلِّ واحد منهما عُصَيَّة، فأضاءَتْ عصا أحدهما"، (عُصَية) تصغير عصا، وإنما ظهرت الهاء في عُصية؛ لأن العصا مؤنثٌ سَمَاعي، والمؤنث السماعي في تقدير الهاء، فضوء عَصَاهُما كان كرامة لهما.
* * *
٤٦٥٢ - وقَالَ جَابرٌ: لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أبي مِنَ اللَّيلِ فَقَال ما أُراني