قوله:"لقد كانَ فيما قبلكم من الأمم مُحَدَّثون"، قال في "شرح السنة": المُحَدَّث: المُلْهم يُلقى الشيء في رُوعه، يريد: قومًا يُصيبون إذا ظنوا، فكأنهم حُدَّثوا بشيء، فقالوا، فتلكَ منزلةٌ جليلة من منازل الأولياء.
يعني كلام الشيخ رحمة الله عليه: أن عمر - رضي الله عنه - كان صادقَ الظنِّ صائبًا، لصفاء قلبه الطاهر، الذي هو محلُّ إلهامه سبحانه، فصار كمن حُدَّث بشيء، فأخبر عنه مُعاينة.
قوله:"فإن يكُ في أمَّتي أحدٌ فإنَّه عمرُ"، قيل: ما قاله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على التردُّد، فإنَّ أمته أفضل الأمم، فإذا وُجدت هذه الطائفة في الأمم السالفة، فأولى أن تُوجد في أمته - صلى الله عليه وسلم - أكثرُ عددًا، وأفضلُ مرتبة.
وإنما قال ذلك على سبيل المبالغة والتأكيد، كما لو كان لك صَدِيق حقيقي، تقول: إن يكن لي صديق فَفُلان، تريد بهذا الكلام: اختصاصَه بكمال الصداقة والمحبة، لا نفي ذلك.
* * *
٤٧٢٥ - وعن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قال: استأذَنَ عُمَرُ بن الخَطَّابِ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وعِنْدَه نِسْوَةٌ مِن قُرَيْشٍ يُكَلَّمْنَهُ، عاليةً أَصْواتُهنَّ، فلَمَّا استأذنَ عمرُ قُمْنَ فبْادَرْنَ الحِجَابَ، فدخَلَ عُمَرُ ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَضْحَكُ فقالَ: أَضْحَكَ الله سِنَّكَ يا رسولَ الله! مِمَّ تَضْحَكُ؟ فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَجِبْتُ مِن هؤلاءِ اللاتي كُنَّ عندي، فلمَّا سَمعنَ صَوْتَكَ ابتَدَرْنَ الحِجَابَ"، قال عُمَرُ: يا عَدُوَّات أنفُسِهنَّ! أَتَهَبنني ولا تَهَبن رسولَ الله؟ فقُلنَ: نَعَم، أنَتَ أَفَظُّ وأغلظُ، فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إيْهِ يا ابن الخطابِ! والذي نفسي بيدِهِ، ما لَقِيَكَ الشَّيطانُ سالكًا فَجًّا قَطُّ إلا سَلَكَ فَجًا غيرَ فَجِّكَ".