١١٤ - وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذَرُوني ما تركتُكُمْ، فإنَّما هلكَ مَنْ كان قبلَكُمْ بكثْرةِ سُؤالهمْ واختلافِهِمْ على أنبيائهِمْ، فإذا أمرتُكُمْ بشيءٍ فأْتُوا منهُ ما استطعتُمْ، وإذا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شيءٍ فَدَعُوه"، رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -.
"وقال رسول الله عليه السلام: ذروني".
قوله:"ذروني"؛ أي: اتركوني ولا تسألوني.
"ما تركتكم"؛ أي: ما دمتُ أترككم ولا آمركم بشيء.
و (ذَرْ)؛ أي: اترك، وأصل هذا: وَذَرَ يَذَرُ مثل: وَسَعَ يَسَعُ، والمستعمل منه المستقبل والأمر والنهي، ولا يستعمل منه الماضي والفاعل والمفعول.
قوله:"فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم" وإنما كثرةُ سؤالهم الأنبياء كان سبب الهلاك؛ لأن الأنبياءَ مبعوثون من الله تعالى على الحق، ولا يبعثُ الله أحدًا بالرسالة على الخلق إلا إذا كان أمينًا بمراعاة مصالح أمته، وتعليمهم ما هم محتاجون إليه، ونهيهم عما يضرهم في الدنيا والآخرة، فإذا كان النبيُّ بهذه الصفة فلا تحتاج الأمة أن يكثروا السؤال بين يديه، فإن كثرةَ السؤال من النبي علامةُ سوء ظن الرجل في كون النبي عليه السلام تاركًا لتعليم ما به نجاته، ونهيه عما يضره، فلا شكَّ أن سوء الظن بالنبي عليه السلام مهلك الرجل، بل من شأن الأمة التسليم بين يدي النبي وتقبل ما يأمره النبي عن اعتقاد عظيم فيه، وتسكُتُ إذا سكَتَ النبي عليه السلام، ولْيُعتَقَدُ سكوته وتكلمه عينُ المصلحة.
وكذلك المريد بين يدي الشيخ، فان المشايخ قالوا: مَنْ قال لشيخه: لِمَ؟ لن يفلح؛ لأنه من قال لشيخه: لِمَ قلت هذا؟ أو لم فعلت هذا؟ لن يفلح لأنه ضعيف الاعتقاد في الشيخ، فإذا كان الاعتراضُ على الشيخ سببَ حرمان الرجل