فَدَخلَ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فأَخْبَرَهُ بذلكَ، فَخَرَجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقد عَصَّبَ على رأسِه حاشِيةَ بُرْدٍ، فَصَعَدَ المِنْبرَ ولم يَصْعَدْ بعدَ ذلكَ اليَوْمِ، فحَمِدَ الله وأثنَى عليهِ ثم قال:"أوصِيْكُم بالأَنْصارِ، فإنَّهم كَرِشي وعَيْبَتي، وقد قَضَوْا الذي عليهم وبقيَ الذي لهم، فاقبلُوا مِن مُحْسنِهم، وتجاوَزُوا عن مُسِيئِهم".
قوله:"أُوصيكم بالأنصار، فإنهم كَرْشِي وعَيْبتي"، قال في "شرح السنة": كَرْشي؛ أي: جماعتي وأصحابي الذين أَثِقُ بهم، وأعتمدهم في أموري، والكَرْش: الجماعة، وقد يكون الكَرْش عِيالُ الرجل وأهلُه.
وقيل: كَرْشي؛ أي: بِطانتي، وضَرَبَ المَثَلَ بالكَرْش؛ لأنه مستَقَرُّ غِذاء الحيوان الذي يكون فيه بقاؤه.
قوله:(عيبتي)؛ أي: خاصَّتي وموضعُ سِرِّي، كما أن عَيبة الرجل موضعٌ لحِرْز مَتاعه وثيابه، وفي الحديث:"بيننا عَيبة مَكْفوفة"؛ أي: صدر نقيٌّ من الغِلِّ، والعرب تَكْني عن القَلْب والصَّدْر بالعَيبة، وهذا كما روي في الحديث:"الأنصار شِعار، والناس دِثار"؛ يعني بهم: البطانة والخاصة، فإن الشِّعار: اسم للثوب الذي يَلِي الجسدَ، هذا كلُّه منقول من "شرح السنة".
* * *
٤٨٨١ - وعن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: خَرَجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في مَرَضه الذي ماتَ فيهِ حتَّى جَلَسَ على المِنْبَرِ، فحَمِدَ الله وأثنَى عليهِ ثُمَّ قال:"أمَّا بَعْدُ، فإِنَّ النَّاسَ يَكثُرون، ويَقِلُّ الأَنْصارُ حتَّى يكونُوا في النَّاسِ بمَنْزِلةِ المِلْحِ في الطَّعامِ، فمَن وَلِيَ منكم شيئًا يَضُرُّ فيهِ قَوْمًا ويَنْفَعُ فيهِ آخرينَ فليَقبلْ مِن مُحْسِنِهم ويتجاوزْ عن مُسيئهم".
قوله:"إنَّ الناس يَكْثُرون، ويَقِلُّ الأنصار"، وإنما قال ذلك؛ لأنهم بَذَلوا