للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: "أسلمَ الناسُ وآمنَ عمرو بن العاص"، وإنما خصَّصه بالإيمان؛ لأنه وقع إسلامُه في قلبه في الحَبَشة، حين اعترف النجاشيُّ بنبوته والأساقفةُ معه، فعَلِمَ صدقَ نبوَّته، فأقبلَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُؤمنًا مِنْ غير أن يدعوَه أحدٌ إليه، فجاء من الحبشة إلى المدينة ساعيًا، فدخل وآمن، وأمَّره في الحال على جماعةٍ فيهم الصِّدِّيق والفاروق - رضي الله عنهما -.

قيل: لأنه كان مُبالغًا قبل إسلامه في عَدَاوة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقصد إهلاك أصحابه (١)، فلما آمن أراد أن يُزيل عن قلبه تلك الوحشةَ المتقدمة، حتى يَأْمَنَ من جهته، ولا ييأس من رحمةِ الله سبحانه.

* * *

٤٩٠٥ - قالَ جابرٌ - رضي الله عنه -: لقِيَني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: "يا جابرُ! مالي أَراكَ مُنْكَسِرًا؟ " قلتُ: استُشْهِدَ أبي وتركَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قال: "أَفَلَا أُبشِّرُكَ بما لقيَ الله بهِ أباكَ؟ " قال: قلتُ: بلى يا رسولَ الله! قال: "ما كَلَّمَ الله أَحَدًا قَطُّ إِلا مِن وَراءِ حِجَابٍ، وأَحْيَا أباكَ فكلَّمَه كِفَاحًا، فقالَ: يا عبدي! تَمَنَّ عليَّ أُعْطِكَ، قالَ: يا رَبِّ! تُحْييني، فأُقتَلَ فيكَ ثانيةً، قالَ الرَّبُّ تعالى: إِنَّه قد سَبَقَ منِّي: أَنَّهم لا يُرْجَعونَ"، فنزلَتْ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} الآية.

قوله: "ما كلَّمَ الله أحدًا قطُّ إلا من وراء حجاب، وأَحْيا أباك، فكلَّمه كِفاحًا".

قال في "الصحاح": كَفَحْته كَفْحًا: إذا استقبلته كَفَّة كَفَّة، وفي الحديث


(١) في "ق": "وقصد إهلاكه".

<<  <  ج: ص:  >  >>