يعني: كلَّم الله سبحانه أباك من غير حجاب دونَه؛ أي: بلا واسطة.
إن قيل: قد بيَّن الله سبحانه أنَّ الشهداء أحياء، قال الله تعالى:{بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ}[آل عمران: ١٦٩]، وإحياء الحي كيف يكون؟
قيل: جعل الله سبحانه تلك الروحَ في جوف طَيرٍ خُضرٍ، فأحيا ذلك الطيرَ بتلك الروح الشَّهيدية، فصحَّ الإحياء حينئذ، أو: أراد أنَّ روحه كان حيًا، لكن لم يكن لتلك الروح من الرتبة ما يشاهد الحق كِفاحًا، فكساها قوةً أعطتها زيادةَ حياة، حتى صَحَّت المكافحة، أو أراد بالإحياء: إبقاء ذِكْرِه في الدنيا، كما هو حيٌّ في الآخرة.
* * *
٤٩٠٧ - عن أَنَسٍ - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ، لا يُؤْبَهُ لهُ، لو أَقْسَمَ عَلى الله لأَبَرَّه، مِنْهم البَرَاءُ بن مالكٍ" - رضي الله عنه -.
قوله:"كم مِن أشعثَ أغبرَ ذي طِمْرين، لا يُؤْبَه له، لو أقسمَ على الله لأبره"، و (كم): خبرية مبتدأ. و (مِنْ) في (مِنْ أشعث) مبين لها، و (لا يؤبه) فعل له مفعول أقيم مقام الفاعل، يعود إلى (أشعث)، خبره.
و (الأشعث): الذي تغيَّر شعرُ رأسه واغبرَّ، (الطمر) الثوب الخَلَق، (لا يؤبه)؛ أي: لا يلتفت إليه، ولا يُبالى به، يقال: فلان بَرٌّ في يمينه؛ أي: صِدْق فيها، وأبَرَّه: إذا صدَّقه.