ببعضٍ، فما عَلِمْتُمْ منه فقولُوه، وما جهلتُم فكِلُوهُ إلى عالمِهِ".
قوله: "سمع رسول الله - عليه السلام - قومًا يتدارؤون"، (التدارؤ): الاختلاف والدفع، من دَرَأَ - بفتح العين في الماضي والغابر - دَرْأً: إذا دفع؛ يعني: يختلفون في القرآن، ويدفع بعضهم دليل بعض من القرآن، مثل أن يقول أهل السنة: الخير والشر بتقدير الله بدليل قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[النساء: ٧٨] , ويقول القدري: ليس كذلك بدليل قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء: ٧٩] فقد دفع القدري آية من القرآن وهو قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}.
وكذلك كل شخصين اختلفا في مسألة، ويأتي كل واحد منهما بآية من القرآن بدليل ما قال، فقد دفع كل واحد منهما الآية التي أتى بها صاحبه، وهذا الاختلاف منهي عنه، بل الطريق في الآيات التي بينهما تخالف وتناقض في الظاهر أن يؤخذ ما عليه إجماع المسلمين منها، وتؤول الآية الأخرى على وجهٍ لا يكون بينه وبين ما عليه الإجماع تخالف، كما تقول: قد انعقد الإجماع على أن الخير والشر بتقدير الله، فإذا كان كذلك فلا تخالف بين الإجماع وبين قوله تعالى:{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}.
وإنما التخالف في الظاهر بين الإجماع وبين قوله تعالى:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}، وفي هذه تخالف بينهما وبين الإجماع عند من لا يعلم التفسير، وأما عند من يعلم التفسير، فيعلم أنه لا تخالف بين الإجماع وبين هذه الآية؛ لأن المفسرين قالوا: هذه الآية متصلة بما قبلها، والتقدير: فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا؛ لأنهم يقولون:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ ...} إلى آخره؛ يعني: المنافقون لا يعلمون ما هو الصواب؛ لأنهم يقولون:{مَا أَصَابَكَ ...} إلى آخره.