للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وجوازه على الله تعالى، صاروا بهذا القول كافرين؛ لأن العجز على الله تعالى غيرُ جائز البتة، وإن قالوا هذا القول لا عن اعتقاد تجويز عجزٍ على الله تعالى بل، عن خطِأ ظنونهم واجتهاداتهم في هذا القول، ولتنزيهِ الله تعالى عن تقديرِ أفعالهم القبيحة، ولأنهم لا يُجوِّزون أن يخلق الله تعالى فعلًا قبيحًا، فليسوا بكافرين بهذا القول، ولكن صاروا مبتدعين فاسقين؛ لأنهم خالفوا الإجماعَ، ومن هذه الطائفة قوم يقولون: الخير بتقدير الله تعالى، والشر ليس بتقديره، وهذا أيضًا خطأ.

والطائفة الثالثة: هم أهل السنة والجماعة، وهم يقولون: جميعُ ما يجري في العالم من الخير والشر، والكفر والإيمان، والطاعة والعصيان، وغير ذلك، كلها بتقدير الله تعالى وقضائه، ولكن للعباد اختيارها، فالتقدير من الله، والكسب من العباد، ويخلق الله تعالى الأفعالَ في العباد كلَّ فعل في الوقت الذي قدَّره في الأزل، والتقدير والفعل يجريان معًا، لا يجري الفعل بدون تقدير الله، ولا التقدير بحصول الأفعال في العباد بدون اختيارهم واكتسابهم، فهم مثابون بالخير ومعاقبون بالشر بسبب أن لهم اختيارًا في الفعل.

ومن لم يكن له اختيارٌ كالمجنون والصبي والنائم والمغمى عليه والمكره، فهم كالمُرتَعِشِ في أنه لا مؤاخذة عليهم بأفعالهم فيما هو حقُّ الله تعالى، وأما ما هو حقُّ العباد، كإتلاف المال وقتل النفس، فهم يؤاخذون بالغُرْم.

والمُرتَعِشُ: هو الذي تتحرَّك أعضاؤه بغير اختياره من علَّةٍ، والثوابُ والعقابُ يتعلقان بما في العبد من الاختيار.

وعلةُ تكريره - عليه الصلاة والسلام - لفظة (تؤمن)، فقال: "وتؤمن بالقدر خيره وشره" للتأكيد؛ لأن الإيمانَ بالقدر أحوجُ إلى المبالغة فيه؛ لأن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ظاهرٌ مشهور عند المسلمين، وأمَّا الإيمانُ بالقدر لا يعلمه كلُّ أحد إلَّا حاذقٌ في علوم الدين، فلأجلِ هذا أكَّد وكرَّر لفظة: (تؤمن) عند لفظ (القدر).

<<  <  ج: ص:  >  >>