سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} قال: إنَّا قد سَأَلْنَا عن ذلكَ فقال: "أرواحُهُم في جَوْفِ طيرٍ خُضْرٍ لها قناديلُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ، تسرحُ من الجنَّةِ حيثُ شاءَتْ، ثم تَأْوِي إلى تلكَ القناديلِ، فاطَّلَعَ عليهم ربُّهم اطِّلاعةً فقال: هل تَشْتهونَ شيئًا؟ قالوا: أيَّ شيءٍ نَشْتَهِي ونحنُ نَسْرَحُ مِن الجنَّةِ حيثُ شِئْنَا! فَفَعَلَ ذلكَ بهم ثلاثَ مرَّاتٍ، فلمَّا رَأَوْا أنَّهم لن يُتْرَكُوا مِن أَنْ يُسْأَلُوا، قالوا: يا ربِّ نريدُ أنْ تَرُدَّ أرواحَنَا في أجسادِنًا حتى نُقتَلَ في سبيلِكَ مرَّةً أُخرى، فلمَّا رَأَى أنْ ليسَ لهم حاجةٌ تُرِكُوا".
"وسئل عبد الله بن مسعود عن هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ} [آل عمران: ١٦٩، ١٧٠] قال: إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله، فقال: إنَّ أرواحهم"؛ أي: أرواح الشهداء.
"في جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ"، قيل: إن أرواحهم بعد مفارقتها أبدانها تُهيَّأ لها طيور خُضْر تنتقل إلى أجوافها خَلَفا عن أبدانها، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} فيتوصل بسببها إلى نَيْلِ ما يشتهي من لذَّات الجنة، وإليه يرشد قوله تعالى: {يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: ١٦٩، ١٧٠].
"إلى تلك القناديل، فاطَّلَعَ إليهم ربُّهم": تعديته بـ (إلى) لتضمنه معنى النظر.
"اطِّلَاعَةً"، وفي تنكيرها دلالة على خصوصيتها بما ذكر من الفضل والتضعيف، وأنها ليست من جنس اطِّلاعنا على الأشياء، رزقنا الله الشَّهادة، وبلغنا هذه السَّعادة.