١٢٩ - وعن العِرباض بن سارِيَة قال: وعظَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً بليغةً ذرفتْ منها العُيونُ، ووجِلَتْ منها القُلُوبُ، فقالَ قائلٌ: يا رسول الله!؛ كأنَّ هذه مَوعظةُ مُودِّعٍ فأوصِنا، فقال:"أُوصيكُم بتقوَى الله والسَّمْعِ والطاعةِ وإنْ كان عبدًا حبَشيًا، فإنهُ مَنْ يعِشْ منكُمْ بعدي فسَيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنَّتي وسنةِ الخلفاءَ الراشدينَ المهديينَ، تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكُمْ ومُحدَثاتِ الأُمورِ، فإنَّ كُلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضَلالةٌ".
"وعن العِرباض بن سارية أنه قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً بليغةً"؛ أي: بالغةً تامةً في الإنذار والتخويف.
"ذرفتْ منها"؛ أي: سالت من موعظته "العيونُ"، أي: دموعُها.
"ووَجِلتْ"، أي: خافتْ "منها القلوبُ"؛ لتأثيرها في النفوس، واستيلاء الخشية على القلوب.
"فقال قائل: يا رسولَ الله! كأنها موعظة مودعِّ" بالإضافة، كأنك تودِّعنا بها، لِما رأى من مبالغته - صلى الله عليه وسلم - في الموعظة.
"فأَوصِنا"؛ أي: فمُرنا بما فيه إرشادنا وصلاحُنا بعد وفاتك.
"فقال: أوصيكم بتقوى الله"، أي: بمخافته والحذر من عصيانه، هذا فيما بينهم وبين الله تعالى.
"والسمع والطاعة" لمن يَلِي أمرَكم من الأمراء؛ ما لم يَأمر بالمعصية.
"وإن كان المُطاع عبدًا حبشيًا"؛ أي: لو استَولى عليكم عبدٌ حبشيٌ فأطيعوه؛ مخافةَ إثارةِ الفتن.
"فعليكم بالصبر" والمداراة "حتى يأتي أمرُ الله"، وقيل: هذا وارد على سبيل الحث والمبالغة على طاعة الحكام، وقيل: ذُكر على طريق المَثَل؛ إذ