يا رب! أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال ذرة"؛ أي: وزنها.
"أو خردلة من إيمانٍ": والمراد به: أدق ما يفرض من الإيمان بحيث ينتهي إلى أنه لا يقبل قسمةً بعدُ، وأن ليس بعده إلا الكفر الصريح؛ إذ الإيمانُ كلما قلَّ قَرُبَ من الكفر حتى ينتهي إليه، هذا على مذهب من يجوِّز التجزئةَ من الإيمان؛ وأما من لم يجوِّز التجزئةَ؛ فيقول: المراد به: القلة من أعمال الخير مع قطع النظر عن شيء آخر، وإلا فالإيمان الذي هو التصديق القلبي لا تدخله التجزئة.
"فأنطلق فأفعل، ثم أعود، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخِرُّ له ساجداً، فيقال: يا محمَّد! ارفع رأسك، وقيل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب! أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبَّة من خردل من إيمان، فأخرجْهُ من النار، فانطلق فأفعل، ثم أعود الرابعة، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخِرُّ له ساجداً، فيقال: يا محمدا ارفع رأسك، وقيل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب! ائذنْ لي فيمن قال: لا إله إلا الله، قال: ليس ذلك لك"؛ أي: ليس إخراجهم من النار إليك، فاللام بمعنى:(إلى)، أو ليس إخراجهم منها لأجلك، بل إنَّا أحِقَاءُ أن نفعلَ ذلك كرما وتفضلاً وإجلالاً لتوحيدي وتعظيمًا لاسمي.
"ولكن وعزتي": الواو فيه للقسم.
"وجلالي وكبريائي وعظمتي، لأخرجنَّ منها من قال: لا إله إلا الله": يعلم من هذا أن إخراج من لم يعمل خيراً قط في الدنيا سوى كلمة الإخلاص خارجٌ عن حدِّ الشفاعة، بل موكولٌ إلى محضِ الكرم.