قَبضَ بِقَفايَ مِنْ ورائِي، قَالَ: فنظرتُ إليهِ وهو يَضحكُ فقال: "يا أُنَيْسُ! ذَهَبْتَ حيثُ أَمَرتُكَ؟ "، قُلتُ: نعمْ، أنا أذهبُ يا رَسُولَ الله!
"وقال: كان - صلى الله عليه وسلم - من أحسن الناس خُلُقاً، فأرسلني يوماً لحاجة، فقلت"؛ أي: في نفسي: "والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهَبَ لما أمرني به - صلى الله عليه وسلم -، فخرجْتُ حتى مررْتُ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قبض"؛ أي: أخذ.
"بقفايَ": وهو - مقصوراً - مؤخَّر العنق.
"من ورائي"؛ أي: من خلفي.
"قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: يا أُنَيْس": تصغير أنس.
"ذهبْتَ": بحذف همزة الاستفهام؛ أي: أذهبت.
"حيث أمرتُكَ، قلت: نعم": وإنما قال: نعم، ولم يذهب بعدُ بناءً على جزم العزم على الذهاب؛ لأن المأمول كالموجود، ولذا صرَّح بقوله:"أنا أذهبُ يا رسول الله".
* * *
٤٥٢٢ - وعَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنتُ أَمشِي معَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وعليهِ بُرْدٌ نَجْرانِيٌّ غليظُ الحاشِيَةِ، فأدركَهُ أعرابيٌّ فجَبذَهُ بردائِهِ جَبْذَةً شَدِيدةً، رَجَعَ نبيُّ الله في نَحْرِ الأَعْرابيِّ، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عاتِقِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قد أثَّرَتْ بها حَاشِيَةُ البُرْدِ منْ شِدَّةِ جَبْذَتِه، ثُمَّ قَالَ: يا مُحَمَّدُ! مُرْ لي منْ مالِ الله الذي عِندَكَ، فالتفَتَ إليهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ ضحِكَ، ثمَّ أمرَ لهُ بعَطاءٍ.
"وقال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه بُرْدٌ نَجْرَانيٌّ"؛ أي: منسوب إلى نجران، بلد باليمن، وقيل: موضع بين الشام والحجاز واليمن.