للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"ولو كنت متَّخذًا خليلًا من أمتي": قيل: الخليل من الخُلَّة وهي الصداقة المتخلِّلة في قلب المحب الداعية إلى اطِّلاع المحبوب على سره؛ يعني: لو جاز لي أن أتخذ صديقًا من الخلق يقف عليَّ، "لاتخذت أبا بكر خليلًا"، ولكن لا يَطَّلِع على سري إلا الله، وإنما خصَّصه بذلك؛ لأنه كان أقربَ سرًا من أسرار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لما روي أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أبا بكر لم يفضُل عليكم بصومٍ ولا صلاةٍ، ولكن بشيء كُتِبَ في قلبه".

"ولكن أخوة الإسلام"، اللام فيه للعهد؛ أي: الإِسلام الذي سبق به المسلمين، "ومودته"، أراد به المودة الثابتة بالإسلام، وهذا استدراك عن فحوى الجملة الشرطية، كأنه قال: ليس بيني وبينه خُلَّة، ولكن أخوة الإِسلام ومودته، فإنهما تقومان مقام الخلة.

"لا يبقين في المسجد خَوخةٌ إلا خوخة أبي بكرٍ"، والخوخة - بفتح الخاءين المعجمتين وسكون الواو -: كُوةٌ في الجدار تؤدي الضوء، وقيل: باب صغير يمر كالنافذة الكبيرة بين بيتين أو دارين يُنصب عليهما بابٌ.

وكان هذا القول منه - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي توفي فيه في آخر خطبة خَطَبها، وفيه تعريض باستخلافه - صلى الله عليه وسلم - إياه بعده.

وهذه الكلمة إنْ أريد بها حقيقتها فالمعنى: الأمر بسدِّ الخوخات التي لأصحاب البيوت الملتصقة بالمسجد إلا خوخة أبي بكر - رضي الله عنه - تكريمًا له بذلك أولًا، ثمَّ تعريضاً باستحقاقه أمرَ الإمامة دون مَنْ عَداه ثانياً، وإن أريد بها المجاز فهي كناية عن الخلافة وسدِّ أبواب المَقالة دون التطرق إليها، ويؤيد هذا التأويل تقديمُه - صلى الله عليه وسلم - إياه في الصلاة وإباؤه وقوفَ غيره ذلك الموقف الخطير.

"وفي رواية: لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتَّخذت أبا بكرٍ خليلًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>