"فقال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله"، أي: اطلب لي الخيرة "إن أدركت ذلك" الزمان.
"قال: عليك بالشام، فإنها"؛ أي الشام "خيرة الله تعالى"، أي مُختار الله تعالى "من أرضه، يجتبي": أي يجتمع "إليها خيرته من عباده، فأما إنْ أبيتم"؛ أي: إن امتنعتم من القصد إلى الشام، "فعليكم بيمنكم"، أي: الزموا يمنكم! إضافة اليمن إليهم؛ لأن المخاطبين عربٌّ، واليمن من أرضهم، وهذا وقع معترضًا بين قوله:(عليكم بالشام) وبين قوله: "واسْقُوا من غُدَركم": لأنه راجع إلى قوله: عليكم بالشام، والغُدُر - بالغين المعجمة والدال المهملة المضمومتين - جمع الغدير، وهو حفرة يقف فيها الماء، والمعنى: ليسْقِ كلُّ واحد من غديره الذي اختص به، فلا يزاحم غيرَه، لاسيما أهل الثغور والنازلون في المروج من شأنهم أن يتخذ كل رفقة منهم غديرًا لنفسهم للشرب والتطهر، وسقي الدواب، فوصَّاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسقي، وأخذ الماء مما يختص بهم ويترك المزاحمة والتغلب؛ لئلا يكون ذلك سببًا للاختلاف وتهييج الفتن.
"فإن الله تعالى قد توكَّل لي بالشام وأهله"؛ أي: تكفل لي أمان أهلها من شر الجنود، وضَمِن حفظهم، وفوَّض أمرهم إلى نفسه.
قيل: وقع في نسخ "المصابيح": توكل، والصواب:"تكفَّل"، معناه: ضمن حفظها وحفظ أهلها القائمين بأمر الله تبارك وتعالى.