فمنها ما هو من الصحاح ألفان وأربع مئة وأربعة وثلاثون حديثاً، ومنها ما هو من الحسان: ألفان وخمسون حديثاً.
"رُوِيَ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الأعمال": قيل: أشار - صلى الله عليه وسلم - بكلمة (إنما) إلى أن قَوامَ الأعمال
"بالنيات"، وأن لا عبرةَ بها إذا خَلَت عن النيات؛ لأنها العاملة بركنيها إيجابًا ونفياً؛ فبحرف التحقيق يثبت الشيء، وبحرف النفي يُنفَى ما عداه.
واعترض عليه بأن (ما) النافية تقتضي صدر الكلام، وكذا (إن) فكيف يجتمعان، فالأولى أن يجعل (ما) زائدة للتأكيد، كما في (سيما) وأخواتها، و (إن) لتأكيد الإثبات، وضاعفه يفيد القصر؛ لأنه ليس إلا تأكيداً للحكم على تأكيد، فالمعنى: ليست الأعمال حاصلة إلا بالنيَّة، ولا يمكنُ هاهنا نفيُ نفسِ الأعمال؛ لثبوتها حساً وصورة من غير اقتران النية بها، فلا بد من إضمار شيء يتوجَّهُ إليه النفي، وهو الصحة على رأي الشافعي رحمه الله، والتقدير: إنما صحة الأعمال واعتبارها بالنيات، وعلى رأي أبي حنيفة هو الفضيلة والكمال.
أورد الشيخ هذا الحديث في عنوان كتابه تفاؤلاً بحسن النية، وتيمنًا بهذا الحديث، واقتداء بجماعة من المحدثين المؤلفين المفتتحين به في مؤلفاتهم، منهم البخاريُّ، وليتمكنَ في النفوس: أن الأعمالَ بالإخلاص، فينبغي للمتعلم والمعلم أن يُزكيا أسرارهما، ويتوجَّها بقلوبهما إلى الحضرة الإلهية قاصدين بسعيهما - لاسيما في هذا النوع - إلى الفوزِ بالمغفرة، والتقربِ إلى الله تعالى.
"وإنما لامرئ ما نوى"؛ أي: ما حصلَ من العمل إلا ما نواه فما لم ينوِهِ لم يعتدَّ به؛ يعني: إذا كان غرضُهُ من عمله رضاءَ الله تعالى وطاعته، حصل له الثواب، وإلا لا، كما إذا جلس أحدٌ في المسجد لشغل من الأشغال الدنيوية، فلا يحصلُ له من جلوسه فيه، وإن كان للاعتكاف، أو لانتظار الصلاة، يحصلُ