"وسجد معه المسلمون والمشركون والجنُّ والإنس": قيل: إنه شقَّ على النبي - عليه الصلاة والسلام - تولي قومه عنه وتباعدتهم عما جاء به، فجلس ذات يوم في نَادٍ من أندية قريش وتمنى في نفسه أن يأتيه بما يقارب به بينه وبين قومه لحرصه على إيمانهم، وأن لا يأتيه مما ينفرون عنه.
فأنزل الله تعالى (سورة النجم) فقرأها عليهم حتى بلغ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: ١٩ - ٢٠]، ألقى الشيطان على لسانه:(تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهنَّ لترجى)، ففرحت قريش بذلك ومضى - عليه الصلاة والسلام - على قراءته وسجد في آخر السورة، وسجد المسلمون لسجوده، وسجد جميع من كان هناك من المشركين، وتفرقوا مسرورين بما سمعوا منه - عليه الصلاة والسلام - وما رأوه من السجدة.
وقالوا: قد ذَكَرَ محمدٌ آلهتنا فأحسَنَ الذِّكر، فنحن نوافقه كما وافقنا في مدح الأصنام، فلمَّا أمسى عليه الصلاة والسلام أتاه جبريل فقال: ما صنعت؟! تلوْتَ على الناس ما لم آتك به عن الله تعالى، وقلْتَ ما لم أقل لك.
فحزن - عليه الصلاة والسلام - حزناً شديداً وخاف منه تعالى خوفاً بليغاً، فأنزل الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}[الحج: ٥٢]، فقالت قريش: ندم محمد على ما ذَكَر من منزلة آلهتنا عند الله تعالى، فازدادوا شراً إلى ما كانوا عليه (١).
وأما سجود الجن فلأن منهم مسلمين ومشركين، فوافقوا الرسول - عليه
(١) قد تكلم في صحة هذه القصة كثير من العلماء، فمنهم من ضعَّفها ومنهم من صحَّح أنَّ لها أصلاً وضعَّف بعض رواياتها. انظر: "تفسير ابن كثير" (٣/ ٢٣٠)، و"لباب النقول" للسيوطي (١/ ١٣٨).