"ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ ": (ملاك) بالكسر، وقد يفتح أيضًا: ما يقوم به إحكام الشيء وتقويته وإكماله، من (ملك) - كـ (ضرب) -: إذا أحسن عجنَ الدقيق وبالغ فيه، و (ذلك): إشارة إلى ما ذُكِر من أول الحديث إلى هنا من العبادات؛ أي: ألا أخبرك بما تُحكَم به العبادات المذكورة، ويقوى به أمرها، ويتم به ثوابها.
"قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه" الباء زائدة؛ أي: أخذ عليه الصَّلاة والسلام لسان نفسه.
"وقال: كفَّ عليك هذا": مفعول (كف)، إشارة إلى اللسان، والتقدير: كف اللسان عليك؛ أي: احفظه عن أن يوقع عليك ضررًا وهلاكاً وخساراً في الدُّنيا، أو في الآخرة؛ يعني: لا تتكلم بما لا يعنيك؛ فإن من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه، كثر ذنوبه، وفي كثرة الكلام مفاسد لا تحصى.
وإنما أخذ - عليه الصَّلاة السلام - لسانه وأشار إليه من غير اكتفاء بالقول تنبيهاً على أن أمر اللسان صعب.
"فقلت: يا نبي الله! إنا لمؤاخذون"؛ أي: هل يؤاخذنا ربنا "بما نتكلم به" من الكلام؟ "قال: ثكلتك" - من (ثكِل) كـ (علِم) -: إذا فقدت المرأة ولدها، ومات عنها؛ أي: فقدتك "أمك يا معاذ"، وهذا دعاء عليه من غير أن يراد وقوعه، بل يراد الحثُّ على التيقظ في الأمر، والتنبيه من الغفلة.
"وهل يكب النَّاس"؛ أي: هل يلقيهم "في النار على وجوههم أو على مناخرهم": شك من الراوي، جمع: منخر، وهو: ثقبة الأنف، والمراد هنا: الأنف؛ أي: على أنوفهم، والاستفهام للنفي، خصَّها بالكب؛ لأنَّه أول الأعضاء سقوطاً.
"إلَّا حصائد ألسنتهم": جمع (حصيدة) بمعنى المحصود، من حصد الزرع: إذا قطعه، وهذا مبالغة لشأن الكلام، والمراد: أن معظم أسباب الكبِّ في النار