للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهِ فِيهِ سَاعَةً قَطُّ.

وَكَانَ الْعُمَرِيُّ يَلْزَمُ الْجَبَّانَ كَثِيرًا، وَكَانَ لَا يَخْلُو مِنْ كِتَابٍ يَكُونُ مَعَهُ يَنْظُرُ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَوْعَظُ مِنْ قَبْرٍ، وَلَا أَسْلَمُ مِنْ وَحْدَةٍ، وَلَا آنَسُ مِنْ كِتَابٍ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْمَكِّيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ، وَأَتَاهُ وُجُوهُ أَهْلِ مَكَّةَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الْقُصُورِ الْمُحْدِقَةِ بِالْكَعْبَةِ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَصْحَابَ الْقُصُورِ الْمُشَيَّدَةِ، اذْكُرُوا ظُلْمَةَ الْقُبُورِ الْمُوحِشَةِ، يَا أَهْلَ التَّنَعُّمِ وَالتَّلَذُّذِ اذْكُرُوا الدُّودَ وَبَلَاءَ الْأَجْسَادُ فِي التُّرَابِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَقَامَ.

وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: عِظْنِي، فَأَخَذَ حَصَاةً مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ: مِثْلُ هَذَا مِنَ الْوَرَعِ يَدْخُلُ قَلْبَكَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ كَذَا صَلَاةٍ، قَالَ لَهُ: زِدْنِي، قَالَ: كَمَا تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ لَكَ غَدًا فَكُنْ أَنْتَ لَهُ الْيَوْمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>