للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الدَّقَّاقِ، قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الْحَجِّ فَنَزَلْنَا الْجَحْفَةَ، فَمُطِرْنَا، فَلَحِقَنَا السَّيْلُ، فَتَنَحَّى النَّاسُ إِلَّا رَجُلًا مُحْرِمًا فِي مَحْمَلٍ، فَلَحِقَهُ السَّيْلُ وَحَمَلَهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، إِنْ كُنْتَ ابْتَلَيْتَ فَطَالَ مَا عَافَيْتَ، فَمَضَى بِهِ السَّيْلُ إِلَى الْبَحْرِ وَغَرِقَ.

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ: خَرَجْتُ إِلَى الْحَجِّ فَلَمَّا دَخَلْتُ بَغْدَادَ مَضَيْتُ إِلَى مَجْلِسِ بَعْضِ الشُّيُوخِ، فَرَأَيْتُ شَابًّا حَسَنَ الْوَجْهِ عَلَيْهِ ثِيَابُ قَصَبٍ، فَوَقَفَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ: أَيُّهَا الشَّيْخُ مَا حَقِيقَةُ الْبَلَاءِ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ الشَّيْخُ ثُمَّ سَأَلَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَقَالَ فِي الرَّابِعِ: يَا فَتَى أَرَاكَ تَدُورُ حَوْلَ الْبَلَى حَتَّى تَقَعَ فِي الْبَلَاءِ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: فَخَرَجْتُ، إِلَى الْحَجِّ وَكَانَ ذَلِكَ الشَّابُّ فِي قَلْبِي فَرَجَعْتُ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ فَكُنْتُ أَسْأَلُ عَنِ الشَّابِّ حَتَّى أُخْبِرْتُ أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ تَحَقَّقَ فِي الشَّابِّ، فَمَضَيْتُ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا حَتَّى جَاوَزْنَا خَرَابَاتٍ، فَإِذَا فِي وَسَطِ الْخَرَابَاتِ مَسْجِدٌ فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَإِذَا ذَلِكَ الشَّابُّ جَالِسٌ بِيَدِهِ سُبْعٌ مِنَ الْقُرْآنِ يَقْرَأُ فِيهِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْنَا السَّلَامَ بِلِسَانٍ ضَعِيفٍ، فَرَأَيْتُهُ نَحِيلَ الْجِسْمِ مُلْتَزِقَ الْجِلْدِ بِالْعَظْمِ فَقُلْتُ لَهُ: حَبِيبِي قَدْ تَحَقَّقَ فِيكَ قَوْلُ الشَّيْخِ، فَقَالَ: نَعَمْ، مَا زِلْتُ أَدُورُ حَوْلَ الْبَلَاءِ حَتَّى وَقَعْتُ فِي الْبَلَاءِ، فَبَكَى وَأَبْكَانِي وَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدَهُ بَاكِيًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>