للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

عَنْ عِصَامِ بْنِ يَزِيدَ , قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ يَغْشَى مَجْلِسَ الْحَسَنِ فَيُؤْذِيهِمْ , فَقِيلَ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَلَا تُكَلِّمُ الْأَمِيرَ حَتَّى يَصْرِفَهُ عَنَّا، فَسَكَتَ عَنْهُمْ , فَأَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْحَسَنُ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَآهُ الْحَسَنُ , قَالَ: اللَّهُمَّ قَدْ عَلِمْتَ أَذَاهُ لَنَا فَاكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَخَرَّ وَاللَّهِ الرَّجُلُ مِنْ قَامَتِهِ فَمَا حُمِلَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا مَيِّتًا، فَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا ذَكَرَهُ بَكَى وَقَالَ: الْبَائِسُ مَا كَانَ أَغَرَّهُ بِاللَّهِ.

فَصْلٌ

كَتَبَ الْحَسَنُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ ظَعْنٍ لَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٍ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَ آدَمُ إِلَيْهَا عُقُوبَةً فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمَؤْمِنِينَ، فَإِنَّ الزَّادَ مِنْهَا تَرْكُهَا وَالْغِنَى فِيهَا فَقْرُهَا، لَهَا فِي كَلِّ حِينٍ قَتِيلٌ، تُذِلُّ مَنْ أَعَزَّهَا وَتُفْقِرُ مَنْ جَمَعَهَا، هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَهُوَ حَتْفُهُ، فَكُنْ فِيهَا كَالْمُدَاوِي جِرَاحَتَهُ يَحْتَمِي قَلِيلًا مَخَافَةَ مَا يَكْرَهُ طَوِيلًا، وَيَصْبِرُ عَلَى شِدَّةِ الْأَذَى مَخَافَةَ طُولِ الْبَلَاءِ، فَاحْذَرْ هَذِهِ الْغَرَارَةَ الخَتَّارَةَ الَّتِي قَدْ زُيِّنَتْ بِخِدَعِهَا وَحُلَّتْ بِآمَالِهَا وَتَشَوَّفَتْ لِخُطَّابِهَا وَفُتِنَتْ بِغُرُورِهَا، فَأَصْبَحَتْ كَالْعَرُوسِ الْمَجْلُوِّ فَالْعُيُونُ إِلَيْهَا نَاظِرَةٌ وَالْقُلُوبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>