للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ أَبِي الْحَارِثِ الْأَوَلَاسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

قَالَ أَبُو الْحَارِثِ: خَرَجْتُ مِنْ مَكَّةَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ أُرِيدُ الشَّامَ، فَلَمَّا كُنْتُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ إِذَا أَنَا بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ عَلَى خَيْلٍ، فَإِذَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ وَيَتَذَاكَرُونَ الدُّنْيَا، فَلَمَّا فَرَغُوا أَخَذُوا يُعَاهِدُونَ اللَّهَ أَنْ لَا يَمَسُّوا مِنَ الدُّنْيَا ذَهَبًا، وَلَا فِضَّةً، فَقُلْتُ: أَنَا مَعَكُمْ، فَقَالُوا: إِنْ شِئْتَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَقَالَ أَحَدُهُمْ: إِنِّي صَائِرٌ إِلَى بَلَدِ كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: إِنِّي صَائِرٌ إِلَى بَلَدِ كَذَا، وَبَقِيتُ أَنَا وَآخَرُ وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الْعَلَوِيُّ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: الشَّامَ، فَقَالَ: وَأَنَا أُرِيدُ اللُّكَامَ فَوَدَّعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَافْتَرَقْنَا، فَخَرَجْتُ مِنَ الْأَوَلَاسِ فَلَمَّا صِرْتُ بَيْنَ الْأَشْجَارِ، إِذَا بِرَجُلٍ صَافَ قَدَمَيْهِ يُصَلِّي عَلَى ظَهْرِ الْمَاءِ وَإِذَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِي سَلَّمَ، وَقَالَ: غَيِّبْ شَخْصَكَ عَنِّي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا تَطْعَمَ شَيْئًا ثُمَّ ائْتِنِي، فَفَعَلْتُ وَجِئْتُ بَعْدَ ثَلَاثِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي عَلَى الْبَحْرِ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِي أَوْجَزَ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَوْقَفَنِي عَلَى الْبَحْرِ وَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: يُرِيدُ أَنْ يَمْشِي بِي عَلَى الْمَاءِ، فَلَئِنْ فَعَلَ لَأَمْشِيَنَّ، فَمَا لَبِثْتُ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى إِذَا أَنَا بَرَفٍّ مِنْ حِيتَانٍ مَدَّ الْبَصَرِ قَدْ أَقْبَلَتِ إِلَيْنَا رَافِعَةً رُءُوسَهَا، فَاتِحَةً أَفْوَاهَهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>