قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: شَغَلَنِي عَنْ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ الاشْتِغَالُ بِالتَّصَوُّفِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ النِّيَّةُ، أَدْرَكْتُ جَهَابِذَةَ الْحَدِيثِ وَنُقَّادَهُ، فَأَلْحَقُوا بِي جَمِيعَ مَا فَاتَنِي مِنْ قَبْلُ.
قَالَ النَّسَوِيُّ: هَذَا أَيْضًا مِنْ بَرَكَةِ التَّصَوُّفِ حَتَّى لَحِقَ بِهِ مَا فَاقَ بِهِ عَلَى أَقْرَانِهِ، وَرُزِقَ مَا لَمْ يُرْزَقُ غَيْرُهُ مِنَ الْعِلْمِ.
قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ: خَرَجْتُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ أُرِيدُ الْعِرَاقَ مِنْ مَكَّةَ، وَمَعِي جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ، فَجِئْنَا إِلَى بِئْرٍ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ وَلَيْسَ مَعَنَا مَا نَسْتَقِي بِهِ، فَقَطَعْنَا مَا مَعَنَا مِنَ الْعَبَاءِ وَغَيْرِهِ، وَشَدَدْنَاهَا فِي رَكْوَةٍ وَاسْتَقَيْتُ، فَسَقَيْتُ أَصْحَابِي فَشَرِبُوا، ثُمَّ دَلَّيْتُهُ لِأَشْرَبَ فَانْقَطَعَتِ الرَّكْوَةِ وَالْحَبْلِ، يَعْنِي فَارْتَفَعَ الْمَاءُ حَتَّى شَرِبْتُ، فَتَعَجَّبَ أَصْحَابِي، فَقُلْتُ لَهُمْ: مِمَّا تَعْجَبُونَ؟ هَذَا يَسِيرٌ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: وَدَخَلْنَا الْكُوفَةَ، فَاجْتَمَعَ لِي طَرَفٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ فَجَلَسُوا يَسِيرًا ثُمَّ قَامُوا، وَعَهْدِي بِهِمْ أَنَّهُمْ يُطِيلُونَ عِنْدِي، فَقَالُوا: أَخَوَيْنِ تَوَاخَيَا، أَحَدُهُمَا عَلِيلٌ، فَقُلْتُ: فَأَنَا مَعَكُمْ، فَدَخَلْنَا عَلَى رَجُلٍ طَرِيحٍ، وَآخَرَ يَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ، فَلَمَّا دَخَلْنَا قَامَ وَجَلَسَ نَاحِيَةً، فَجَلَسَ أَصْحَابِي عَنِ الْعَلِيلِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا عَلَى الرَّجُلِ الْجَالِسِ فَكُلَّمَا أَنَّ الْعَلِيلُ أَنَّ هَذَا، يَعْنِي الْجَالِسَ مِثْلِهِ، حَتَّى قَالَ أَصْحَابِي: قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا، فَقَالَ لِي: هَكَذَا، فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: هَاهِ، وَخَرَجَتْ نَفْسُهُ، فَاشْتَغَلَ أَصْحَابِي بِهِ وَاشْتَغَلْتُ أَنَا بِهَذَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ الْأَعَرَابِيِّ: أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيمَانًا، وَتَصْدِيقًا، وَاعْتِقَادًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute