للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ: كُنَّا بِمِصْرَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمْ نَأْكُلْ فِيهَا مَرَقَةَ، وَذَلِكَ أَنَّا كُنَّا نَغْدُو بِالْغَدَوَاتِ إِلَى مَجْلِسِ بَعْضِ الشُّيُوخِ، وَوَقْتِ الظُّهْرِ إِلَى مَجْلِسٍ آخَرَ، وَوَقْتِ الْعَصْرِ إِلَى مَجْلِسٍ آخَرَ، ثُمَّ بِاللَّيْلِ لِلنَّسْخِ وَالْمُعَارَضَةِ، فَلَمْ نَتَفَرَّغْ نُصْلِحَ شَيْئًا، وَكَانَ مَعِي رَفِيقٌ خُرَاسَانِيُّ أَسْمَعُ فِي كِتَابِهِ وَيَسْمَعُ فِي كِتَابِي، فَمَا أَكْتُبُ لَا يَكْتُبُ، وَمَا يَكُتُبُ لَا أَكْتُبُ، فَغَدَوْنَا يَوْمًا إِلَى مَجْلِسِ بَعْضِ الشُّيُوخِ فَقَالَ: هوِّنْ عَلَيْكَ فَرَجَعْنَا فَرَأَيْنَا فِي طَرِيقِنَا حُوتًا يَكُونُ بِمِصْرَ، يُشَقُّ جَوْفُهُ فَيَخْرُجُ أَصْفَرُ، فَأَعْجِبْنَاهُ فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ حَضَرَ وَقْتُ مَجْلِسِ بَعْضِ الشُّيُوخِ فَلَمْ يُمْكِنَّا إِصْلَاحَهُ، وَمَضَيْنَا إِلَى الْمَجْلِسِ، فَلَمْ نَزَلْ حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَادَ أَنْ يَتَغَيَّرُ، فَأَكَلْنَاهُ نَيًّا، فَقِيلَ لَهُ: كُنْتُمْ تُعْطُونَ لِمَنْ يَشْوِيهِ وَيُصْلِحُهُ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ كَانَ لَنَا الْفَرَاغُ.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: وَكَانَ هَذَا فِي الرِّحْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ اسْتَأْذَنَ أَبَاهُ وَتَشَفَّعَ إِلَيْهِ بِأَبِي زُرْعَةَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الرِّحْلَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ حَتَّى أَلَحَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِي حَاتِمٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَدٌ غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ قَبْلَهُ فَمَاتُوا فَلَمْ تَطُبْ نَفْسُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، ثُمَّ أَذَنَ لَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ إِلَى وَقْتِ كَذَا وَيَنْصَرِفُ إِلَيْهِ فِي وَقْتِ كَذَا فَرَحَلَ وَدَخَلَ مِصْرَ، وَمَشَايخُ مِصْرَ مُتَوَافِرُونَ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ كَانَ فِي ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ مِثْلَ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَبَحْرِ بْنِ نَصْرٍ، وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالْمُزْنِيِّ، وَالرَّبِيعِ وَغَيْرِهِمْ، وَمَشَايخُ إِسْكَنْدَرِيَّةَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونَ وَغَيْرِهِ، فَأَجْهَدَ نَفْسَهُ فِي السَّمَاعِ لِيَلْحَقَ وَعْدَ أَبِيهِ لَا يَخْلِفُ، فَرُزِقَ السَّمَاعَ الْكَثِيرَ مِثْلَ كُتُبِ ابْنِ وَهْبٍ بِأَسْرِهَا، وَكُتُبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَحِدِيثِ سَائِرِ الْمَشَايخِ وَفَوَائِدِهِمْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>