فَلَمَّا دَخَلْنَا الْبَيْتَ كَانَ الْوَرْدُ فِيهِ مَفْرُوشًا، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ: تَأْذَنُ لِي أَنْ أَصْنَعَ بِهَذَا الْوَرْدِ مَا شِئْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ مِلْءَ كَفَّيْهِ وَرْدًا فَشَمَّهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ عَلَى سَقْفِ ذَلِكَ الْبَيْتِ وَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ وَفَاحَ الْبَيْتُ مِنْ رَائِحَةِ الطِّيبِ، ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجْنَا، فَقَالَ لَنَا بَعْدَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَيْتِ: مَا زِلْنَا نَشَمُّ رَائِحَةَ الطِّيبِ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ سَنَةً.
قَالَ وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْأَسْوَارِيَّ، يَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُشُوعِيُّ وَأَنَا فِي بُسْتَانِي أُرِيدُ أَنْ أَقْطَعَ شَجَرَةَ مِشْمِشَ لَمْ تَكُنْ تُثْمِرْ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُشُوعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، مَالَكَ تَقْطَعُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ؟ قُلْتُ: لَيْسَتْ تُثْمِرُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَا تَقْطَعْهَا، فَإِنِّي ضَامِنٌ لَكَ أَنَّهَا تُثْمِرُ فَتَرَكْتُهَا فَأَثْمَرَتْ تِلْكَ السَّنَةِ ثَمَرًا كَثِيرًا، وَمَا زَالَتْ مُثْمِرَةً كُلَّ سَنَةٍ بِضَمَانِهِ؟ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ، يَقُولُ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِلَى الْحَجِّ فَلَمَّا دَخَلْنَا الْبَادِيَّةَ اعْتَلَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ إِسْهَالُ الْبَطْنِ فَقَامَ سَبْعِينَ مَرَّةً فِي لَيْلَةٍ، كُلُّ مَرَّةٍ يُجَدِّدُ الطَّهَارَةَ، وَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ تَسِيرُ الْقَافِلَةُ، فَلَمَّا غَلَبَ الْإِسْهَالُ عَلَيْهِ وَقَعَ فِي الْقَافِلَةِ أَمْرٌ، فَحَطُّوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَقَامَتِ الْقَافِلَةُ وَكُنْتُ أَخْدِمُهُ وَآخُذُ الْأَذَى مِنْ تَحْتِهِ عَلَى الطِّيبَةِ فَأَغْسِلُهُ، فَأَرَدْتَ أَنْ أَعْتَذِرُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَجِدُ رِيحَ الْأَذَى مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَا تَسْتَعِلَّ فَإِنِّي لَا أَجِدُ مِنْكَ الرَّائِحَةَ الْمُنْتِنَةَ، قَالَ: فَبَرَأَ، وَقَالَ: تَعَالَ فَضَمَّنِي إِلَيْهِ وَأَخَذَ رَأْسِي وَوَضَعَهُ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِهِ فَمَا شَمَمْتُ قَطُّ رَائِحَةً وَلَا طِيبًا أَطْيَبُ مِنْهُ فَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَدَفَنْتُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute